علي عبد العال
ربما علينا الأنتظار طويلا؛ أطول من المسافات التي قطعناها سابقا للوصول إلى النتائج الانتخابية فقط، ودعكم عن الحلول الجذرية وآمال التغيير. الوصول إلى نتائج الانتخابات، ومن ثم تشكيل الحكومة الجديدة. أمامنا طريق طويل من الأنتظار كما يقف الرجال والنساء من العراقيين البائسين في طابور أمام شباك التقاعد الشحيح. كل هذا أمر جيد بعد أن تمت الانتخابات البرلمانية العراقية على ما تمت عليه من سلاسة ووعي وطني وقلة التضحيات من قبل الأبرياء.
وضعت الانتخابات العراقية أوزارها كما حرب مطفئة؛ وشال العمال الصبيان والشحاذين في الواحد من أيار لافتات المرشحين العملاقة ليبيعونها في سوق الخردة مقابل بعض النقود التي لا تساوي قيمتها مهما بلغت من الثمن سد رمق مواطن جائع. أسقطتهم رياح العراق العاتية قبل أن يسقطهم الشعب الذي لا يمكن التكهن بمجرياته وحيويته القادمة. الشعب العراقي يقدم على خطوة كبيرة في التاريخ، ليس في العراق حسب، وإنما في في تاريخ المنطقة الأقليمية برمتها.
ما يجري بالعراق الجديد ليس كما يجري في الكويت والسعودية وقطر؛ ما يجري بالعراق الجديد هو تأسيس لديمقراطية حقيقية نوعية بطابعها السياسي المتطور ومفهومها الديموقراطي الحقيقي. وإنما تتجاوز المحيط الإقليمي من المملكة العربية السعودية حتى تركيا العثمانية بحلتها الجديدة في عهد أوردغان. يبقى العراق يتمتع بأهمية سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى كدولة تمتلك نصف ثروة العالم من النفط، هذا ما يشد إليه أنظار المجتمع الدولي والقوى العظمى على مر التاريخ.
لا تتأتى الأحقاد المبطنة من قبل دول الخليج العربي على العراق لأسباب طائفية فقط، وإنما لأسباب حضارية وثقافية تعجز عن تخطيها مثلما تخطاها العراق الجمهوري عقب ثورة 14 تموز 1958. وكذلك دول الجوار الأخرى مثل إيران وتركيا، اللتان تريان بالعراق قوة اقتصادية واجتماعية وحضارية قابلة للتنافس القوي والشديد معهما عندما ينهض العراق من جديد. والحال يحلو للجميع تدمير العراق وجعله يستمر بالعيش في هذا الكابوس لأوقات أطول. بيد أن هذا الوضع بفرز بدوره عناصر مقاومة جديدة تتمثل بزحف الشعب العراقي الحثيث نحو الممارسة الديموقراطية كفعل سياسي جماهيري يقوم على أسس دستورية هي قيد الولادة، لكنها ستكبر كما يكبر الكائن البشري الحر الجديد.
لسنا نبالغ بالتقديرات التي سوف تفرزها نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 30 نيسان/ أبريل/ 2014 ولكننا نفتخر ونزهو بالوعي السياسي والحضاري والوطني للشعب العراقي الأصيل بالمشاركة الواسعة بتلك الانتخابات، تلك النسبة التي لا تتحقق في أعتى الدول الديموقراطية الأوروبية المتطورة. هذا هو النسغ الجديد الذي يتصاعد في شجرة العراق الجديد، عراق المستقبل..