الإمتحان

د. أنسام المعروف

حدث كل شيء وهو في طريقه للامتحان التمهيدي للطلاب الخارجيين حيث قرر وبعد سنوات طويلة من تركه للدراسة وتحت الحاح من احد الاصدقاء المقربين ان يجرب حظه في الاختبار الذي يؤهله للصف السادس الاعدادي الذي لو نجح فيه لفتحت له ابواب الجامعات ولاكمل دراسته، كان يفكر بكل ما ينتظره بعد اجتيازه للامتحان النهائي، عندما وصل الباص الذي يستقله الى حاجز السيطرة بين قريته وبين المدينة التي سيجري فيها الامتحان، وجد ان الحاجز مقفل، فالمجموعات الإرهابية قد منعت القادمين من القرية ان يجتازوا السيطرة، حيث كانت هناك مجموعة من المتسللين كانوا يحتجزون السيارات العابرة للقبض عليهم. شعر وكأن قلبه سيتوقف فلقد كان الوقت يمر ووقت الامتحان يقترب. احتار كيف يمكنه ان يوقف هذا الانتظار المر للرحمة ممن لا يعرفون الرحمة، تذكر دعاءً كانت والدته تردده كلما صعب عليها امر وتوصيه هو ان يفعل ذلك ايضاً: «فأن تولوا فقل حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم» . بدأ بترديد الدعاء فلم تمض عدة دقائق حتى قال الرجل الذي كان يقف عند الحاجز : «يمكنكم المرور الان ولكن بسرعة قبل ان تتغير التعليمات».

شعر وكأن هناك قوة خفية تيسر له الامور وهو الذي لفت قلبه الامنيات بانه سيكون محظوظاً لو ان والدته لا زالت على قيد الحياة وانها دعت له قبل خروجه من البيت ليذهب لاجراء الامتحان. فكر في ان بركات الام تبقى على الرغم من رحيلها. فها هو الدعاء الذي علمته اياه يوماً في الماضي ينقذه اليوم. شعر ببصيص امل بانه سيجتاز الامتحان لان العقبة الاولى مرت بسلام.
انتظر وقتاً ليس بالقصير ليصل الى مكان الامتحان والذي كان عبارة عن بناية لمدرسة قديمة متهالكة لا شيء فيها يدل على انها صالحة لان تكون مكاناً للدراسة او للامتحان فكل شيء تعمه الفوضى ، لقد غامر بان يعبر الحاجز فلو ان احدهم سأله عن سبب عبوره ما كان سيعبر ولكنه يدرك تماماً ان الدعاء كان سبباً اكيداً في عبوره فهم لا يسمحون لرجل بعبور الحاجز فما بالك بمن يريد ان يعبره من اجل اختبار يخص دراسة. جلس على رحلة الامتحان وتذكر كل سنوات الدراسة التي مرت في مخيلته كشريط فيديو سريع مؤلم فلقد تذكر كيف ارتكب حماقة وترك الدراسة بسبب رفقة السوء وغاص في لوم الذات وجلدها ولم ينقذه من ذاك الالم الا صوت المدرس يحمل ورقة الاسئلة والدفتر الامتحاني. رفع رأسه ليجد وجه المعلم المبتسم فلم يتمالك نفسه وبادله ابتسامته بالرغم من شعوره بالخوف من الامتحان. بدأ بقراءة الاسئلة واحس ان ذاكرته خاوية من اي معلومة. لم يعرف ماذا يفعل حينها ذرغت صورة صديقته السابقة التي كانت تردد على مسامعه دائماً انك ستستطيع ان اردت فعلاً فابتسم وتحدث لنفسه بانه يريد اذاً سيستطيع وعاود قراءة الاسئلة وبدأ بالاجابة عنها، الواحد تلو الاخر حتى انتهى منها جميعاً قبل ان يعلن المدرس ان الوقت شارف على الانتهاء ، حينها قام وسلم الدفتر الامتحاني وابتسم للمدرس الذي سأله ان كان الامتحان جيدا ام صعبا فرد عليه انه جيد الى حد ما وتابع خروجه وحين وصل الى ساحة المدرسة تفاجأ بوجود عدد من الاشجار وكافتيريا بحالٍ مزرٍ فلم يمكنه ارتباكه واستعجاله من رؤية وملاحظة هذه الاشياء عند الدخول فتوجه مسرعاً لطلب كوب من الشاي وبسكويت ليسد جوعه فقد خرج مسرعاً دون ان يتناول الفطور. قام بكل شيء بسرعة لانه يفكر بطريق العودة وكيف ان عليه ان يعاود المرور من بين هؤلاء الاعداء المتسربلين بالسواد.استقل الباص وجلس ينظر الى الاراضي الممتدة ويفكر كيف يمكن ان يتم تحرير كل هذه الاراضي المحتلة وبدأ يفكر في مستقبله وكيف يمكن له بعد اجتيازه الامتحان ان يكمل دراسته ليكون نافعاً في الدولة؟ ثم استدرك في اي دولة يا ترى؟ وهل سيكون حينها هنالك وجود لدولة؟ أهي دولة المحتلين؟ ام دولته كما اعتاد عليها؟ تزاحمت الاسئلة في ذهنه حتى غط في نوم عميق ليصحو على صوت زوجته توقظه ليذهب الى العمل فلقد جاء اصدقاؤه العمال ليصطحبوه معهم كحالهم كل يوم… نظر في وجه زوجته مبتسماً بعد ان ادرك ان كل ذلك كان مجرد حلم فقال لها… «كان حلماً… لكنني سأفعلها يوماً»!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة