الخروج من شرنقة التقليد في .. «نجلاء وقصص أخرى «

يوسف عبود جويعد

تؤكد لنا المجموعة القصصية (نجلاء وقصص اخرى) للقاص نبيل جميل، إمكانية الخروج من المكان والزمان والبيئة التي يعيش فيها القاص إلى عالمٍ أوسع وأكثر رحابة، وأنه يستطيع أن يختار مادته الخام التي يصنع منها قصصه، من أماكن بعيدة، فنجد أن القاص نبيل جميل استطاع أن يقدم لنا نصوصاً قصصية استمدها وحصل على الأحداث من شمال البلد، أي أنه انطلق من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، ليبحث هناك عن أحداث يضمها في دفتي هذه المجموعة التي اتسمت بقدرة القاص على استحضار العناصر والأدوات وكل الامكانيات التي من شأنها أن تعطي الملامح الواضحة لفن صناعة القصة القصيرة، من حيث التكثيف، والحدث الواحد والثيمات المتنوعة، والضربة الإدهاشية المفاجئة، كما نقل لنا وقائع وأحداثاً عن معاناة وقسوة الحياة للمرأة في هذا البلد إبان الغزو الهمجي البربري للدواعش على مدينة الموصل، برؤية فنية جديدة، وأسلوب وضع فيه بنظر الاعتبار المتعة والتشويق، لشد القارئ الى متابعة الأحداث في هذه النصوص، وعمل على إيصال الخطاب الإنساني داخل تلك النصوص لإنقاذ المرأة من بعض المظاهر التي تسيء إليها وتهدد كيانها الانساني، وعمد القاص في هذه النصوص، أن تكون المرأة البطلة الرئيسة والمركزية باعتماد إيكال مهمة إدارة دفة الأحداث للراوي العليم، الذي يتابع بشكل تفصيلي، نقل حيوات أولئك النسوة، وتقديمها للقارئ، فنجد المرأة التي اغتصبها الدواعش وفقدت عذريتها، ونجد المرأة التي غرر بها وفقدت أغلى ما تملك، ونجد المرأة التي قيدت حريتها وقتل طموحها وضاعت تطلعاتها بزوج دون وفاق، ونجد المرأة التي ضاع عمرها بين العمل والبيت، والكثير من الأحداث التي تخص الحياة الأسرية، كما أن القاص لم يغفل حالة التطور التي حدثت في الحياة، والتغيير الكبير الذي حصل، لينقل لنا وعبر صفحات التواصل، علاقات نشأت عبر (الفيس بوك).
وعملية التنوع هذه في الأحداث والثيمات والحبكات، جعلت تلك النصوص أكثر اهتماماً وقبولاً، إضافة الى ذلك فإن القاص اختار لغة سردية تنسجم والسياق الفني لكل نص، أخذاً بنظر الاعتبار الخط التصاعدي المحتدم داخل الاحداث في تلك النصوص، والهدف المبتغى لكل نص.
في القصة القصيرة (نجلاء) يقدم لنا القاص واحدة من الهموم الكبيرة والمهمة، والضرر الكبير الذي حاق بالفتيات اللواتي أسرن من قبل الدواعش أثناء غزو مدن البلد، واغتصابها، وكان حبيبها حامد ينتظر بكل شغف عودتها لكي يرتبط بها، الا أن والده يرفض الزواج بها بسبب ما حصل لها ويعدّه عاراً، إلا أن الأبن يكتب رسالة الى والده، يطرح له الظلم الذي لحق بنجلاء وأن لا ذنب لها في ذلك، وجاءت عملية اغتصابها خارج ارادتها، فيقتنع الأب بعد أن يقرأ تفاصيل الرسالة:
« غاب «حامد» عن مائدة العشاء، طلب الأب من زوجته أن تنادي عليه، لكنها لم تفعل، تأفف وأخرج الرسالة من جيبه وقال ( لقد كبر في عيني وزاد احترامه، أثبت لي بأنه ارحم مني، لقد أفحمني برسالته ولذا وجب عليّ أن أصعد إلى غرفته وأبارك له حسن اختياره.» (ص 64 )
أما قصة (آمال محطمة) فتقدم لنا أيضاً أحداثاً لعلاقة خادعة مع زميل لها التجأت إليه عندما تم تهجيرها وعائلتها من الموصل ومضي كل منهم في طريق، فيغرر بها ويدعوها الى البيت، وبين أمه وابيه، وبعد أن يتركاهما يذهبان الى غرفتهما يقوم هذا الشاب بفضّ عذريتها، الى آخر مسيرة الأحداث المثيرة والحزينة.
وتقدم لنا القصة القصيرة (رغبات دفينة) حكاية أخرى من حكايات المرأة وضياع أمانيها ورغباتها وطموحاتها، من خلال الزواج المبكر، إذ يصر الأب على زواجها مبكراً، بالرغم من رغبتها إكمال دراستها وتحقيق ما تصبو اليه، فتنصاع صاغرة لرغبة أبيها.
ونعيش أحداثاً من نوعٍ آخر في القصة القصيرة (سعادة لم تكتمل) حيث نتابع صراعا لأحد المتزوجين بين اختيار البقاء مع زوجته، أو تركها والزواج من حبيبته التي ظهرت له، وبظل هذا الصراع قائماً خلال مسيرة الأحداث، الى أن يواجه زوجته بأنه يريد الزواج من ثانية.
«احتقنت عيناها، شعرت بالاختناق، ازرّق وجهها، فأخذت تشير اليه بأن يضرب على ظهرها، وبينما هو ينهض مرتبكاً، سقط كرسيه للخلف وكاد أن يقع ايضاً، بسرعة أعاد جسمه للأمام لكن خللاً في التوازن جعله يقع عليها. فانضغط وجهها في إناء الطعام. أثناء هذه اللحظة انقطع التيار الكهربائي. حاول أن يستعيد قواه ويقف. حرك يديه إلى الجانبين يتلمس، وأنينها يعلو تصاحبه ضربات يديها على المنضدة، ولأنه يعرف جهة غرفة الاستقبال القريبة، فقد خطى نحوها لجلب المصباح اليدوي، لكنه تعثر والتوت ساقه، فقد التوازن وسقط، ارتطم رأسه بحجر السّلم، أحس بألم شديد، وقبل أن يغمى عليه شعر بدمه يسيل على وجهه.» (ص76 )
وهكذا وبعد أن نمر بمجموعة من النصوص القصصية، التي تناولت أحداثاً وثيمات وموضوعات مختلفة ومتنوعة، نصل الى القصة القصيرة الأخيرة التي حملت عنوان (مطبات ليلية) وهي تقدم متاعب الكتابة الإبداعية الأدبية، وبالأخص كتاب القصة القصيرة، إذ إننا نجد القاص في هذا النص، يعيش في صراع وعتاب وتداعيات بينه وبين أبطال نصوصه القصصية التي تدور بين ثنايا نصوص هذه المجموعة، وما حدث فيها ويلقين اللوم عليه لجرهن الى هذا المصير، وهي قصة قصيرة تشبه الى حد بعيد نهاية قصص المتوالية القصصية التي تجمع جميع أبطال النصوص، وهي تجربة جديدة برع القاص بتقديمها كنوع من التحديث في مجال فن صناعة القصة القصيرة.
من اصدارات روافد للنشر والتوزيع القاهرة لعام 2022

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة