أساطير أم حقائق؟

-1-

نقرأ في كتب الأدب والتاريخ قصصا وحكايات تنطوي على وقائع مدهشة، ومواقف غريبة للغاية، حتى ليحار القارئ فيها ويتساءل:
هل هي قصص وضعها الحكماء لتشجيع الناس على التمسك بأهداب المروءة والانسانية والقيم أم أنها قصص دارت فصولها وأحداثها كما تُروى دون أنْ يلامسها الخيال والافتعال؟

-2-

واذا كان هناك مَنْ يُكثر التركيز على الجوانب السلبية التي قد ينحدر اليها الانسان، فانّ هناك ايضا مَنْ يُحاول جاهداً التركيز على ما يمكن أنْ يبلغه الانسان بِنُبلِهِ وانسانيتِهِ ومروءتِه ِمْن مراتب سامية، واخلاق عالية، تجعله يقفز بها الى أعلى القمم.

-3 –

ومن تلك الحكايات التي قد لا تُصدّق لغرابتها قصة ( ابراهيم بن المهدي) عم المأمون، الذي باءت مغامرتُه العسكرية بالفشل حين حاول محاربة المأمون، وانتهى به المطاف الى الهزيمة والتخفي، وقد خُصِصَتْ جائزة نقدية كبيرة لمن يدل (المأمون) عليه ،
وبينما هو يسير في الطريق اذ رآه أحد الجنود فتعلق به وقال :
هذا الذي يطلبُه الخليفة .
وحاول ابراهيم أنْ يُفلت مِنْ قبضة هذا الجندي بأيْ ثمن، حيث دفعه دفعة قوية في صدره وأرداه الى الارض فشج رأسُه ، وعندها ولىّ (ابراهيم) هارباً .
وبينما هو في الطريق رآى داراً مفتوحة

-3 –

فدخلها فاذا هو أمام امرأة قالت له :
يا هذا ما حاجتُك ؟
قال :
اني امرؤ خائف على دمي ،
وقد لجأتُ اليكم ،
واستجرتُ بكم .
قالت :
على الرحب والسعة
انا قد أجرناك ، فأنتَ آمِن ، ثم أدخلتْه في حجرة واغلقت عليه الباب .
ثم سمع ضجه في الدار فنظر من شقوق الباب فرآى الجندي الذي ضربه معصب الرأس وقد أحاط به الناس وأمسكوا بيده لأنه لا يستطيع المشي لما أصابه، فألقت المرآة له فراشا واستلقى عليه ،
فَعِلم ابراهيم انَّ هذا البيت بيتُه ، وانّ هذه المرآة أمّه ،
وانه سعى بِظِلْفِهِ الى حَتْفِه وأيقن بالهلاك .
فلما خرج الناس ،
وبقي الرجل وحده مع المرآة سألَتْهُ عَنْ أمره فجعل يتأوه ويقول :
لقد أدركتُ الغنى ثم أفلتَ منى ، وحكى لها قصته مع ابراهيم ،
فأخذتْ تُخفف عليه المصاب ، وتهوّن عليه الأمر حتى نام .
فقامت ودخلت على ابراهيم في حجرته وقالت :
أظنك صاحب القضية ؟
قال :
نعم انا هو ،
فقالت المرآة :
لا بأس عليك فقد أجرتُك
ولا سبيل الى النقض فانجُ الآن بنفسك ،
فخرج مِنْ عندها وهو معجب بعقلها ووفائها وزهدها في المال الكثير الذي جعله الخليفة لمن يدله عليه .
وبعد أنْ عفا المامون عن ابراهيم وحدّثه ابراهيم عن هذه المرآة الوفية أمر المامون باحضارها وبادر الى إكرامها .
نعم
لايخلو المجتمع المسلم على مدار الأيام من اشراقات تنحني لها الانسانية إجلالا واكبارا
وانّ الترجمة العملية لمكارم الاخلاق تعتبر من ثمار المنهاج التربوي في الاسلام القائم على التمسك بأهداب القيم الرفيعة والمثل الرائعة .
ولا نريد بسرد هذه الحكاية الاّ التحفيز والتشجيع والحث على المبادرات الموّارة بعبير السمو والانسانية .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة