مصادعة

مهدي علي ازبين

لفتت انتباهه على صفحات التواصل، تنشر نصوصًا نابضة بالشعر، لاحظ انفتاحها على الحياة، شدّه مرحها وصراحتها العذبة، أسرته لباقتها حين تردّ على تعليقات الأصدقاء.
بعث لها رسائل عبر مربع الدردشة، يلمّح فيها بأن تخفّ من انطلاقتها، وأن لا ترسل ابتسامتها لمن لا يستحق، قد يساء فهمها.
تجيبه بسلسلة من هاءات القهقهة، تذيّلها برسالة اطمئنان، لم يسِئ لها أحد، وهي تعرف كيف تحتوي الإساءة، وترد بأسلوب يجعل المسيء يراجع نفسه.
أبدى لها إعجابه بسلاسة عبارتها ومنشوراتها المترعة بالبراءة. تضامن الزمن معهما وألقى اهتمامه لعلاقتهما، أسرّها بأنه يعاني من الشوق لرؤيتها، فهو لا يعرفها إلا من رنين حروفها. تصله حزمة هاءات مع:
-تتدلل.. غالي والطلب رخيص.
تتبعها بصورة بعيدة، يدقق فيها: امرأة تخفي جسدها تحت معطف بغطاء رأس، تحكمه حول وجهها، لم تظهر إلا بعضًا منه.
شكرها والتمس منها لحظات لتأملها. تتلاحق هاءات الضحك الافتراضي.
يقرب الصورة إليه، يكبرها يمسح في خطوط وجهها، هناك التماعة في نرجس العينين، ترافقها فراشات ترنو إلى ربيع حنون، لكنه يلمح مناجل الخريف تلوح بوجه القمح في المحيا.. تنبهه هاءاتها مع:
-أين سرحت؟
يرتبك، تنطلق أنامله على لوح الحروف:
-لمَ أرسلتِ صورةً شتائية ونحن في الصيف؟
يأتيه الرد الباسم:
-كي أغطي على نحافتي المفرطة.
مازحها بطلب طريف:
-أريد أن أرى صوتك.
توافقه بضحكة مع: «حاضر».
تبادل معها تحية سرور، تهلهل صوته مع اضطراب هيئته، فرح بعذوبة بوحها مع انخفاض نبرتها، يستفهم منها برصانة:
-لمَ صوتك يبدو متقطعًا؟
تُسمعه ضحكة مختصرة، وتفحمه:
-ولماذا صوتك مرتعش؟ هل تعاني من متاعب صحية؟
ينفي ذلك، ويتشجع بإخبارها أنه رياضي، ولا يقربه المرض إلا بقرار منه.
-وماذا تريد الآن هل تسعى للشجار؟
ماحكها مبتسمًا:
-ماذا لو تقابلنا وحدث بيننا نزاع لا يفضّ إلا بنزال؛ أي نوع من المنازلة ترغبين؟
تضحك:
-أنا لا أميل للصراع، إن رغبتَ بذلك؛ فلا بأس.
تتخافت عبارتها مع ضحكة مفاجئة:
-لكن لا أضمن لك النتيجة.
يتيه في صمت منشرح، يتأمل صورتها التي لم تشبعه بأوصافها، يمسّد بقايا الشعر في رأسه، أو يتلمّس صلعة هي إرثه الوحيد عن أبيه، يخرجه تساؤلها من ذرى التحدي، تنساب حروف الحنان الواهنة:
-ها.. أين وصلت
يقترح عليها بعد أن تحسّس الفراغات في جلدة رأسه، وتأكّد من خفة شعره:
-ماذا لو (تكافشنا) من رأسينا؟
يتفاجأ بدفق ضحكات بريئة، يغرقه رذاذها الطافح من ينبوع الجمال، ينتشي مع نغمات روحها الشفاف، يتبجّح بفطنته التي أوصلته لمنازلة مضمونة النتائج، يخاطبها من قوس الانتصار:
-هل تعلنين هزيمتك؟
تتقطع أنفاس جوابها الضاحك المطعم بـ :
-كلا، أنا موافقة ومستعدة.
يكبح انطلاق الانشراح بمكابح الـ: «كيف؟!».
تأتيه الرزانة منطلقة الأسارير:
-أنا مستمرة على العلاج الكيمياوي، وشعري نسيته مع أول جرعة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة