زهد العلماء

-1-
الخليل بن احمد الفراهيدي عَلَمٌ من أعلام العلماء الكبار في اللغة، ويكفي انه صاحب معجم ( العين )، واليه يُنسب علم ( العَروض ) – علم البحور الشعرية وأوزانها –
وهو قويّ الحجة والبرهان .
سئل وقيل له :
ما الدليلُ على أحقية امير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) بالخلافة فقال :
( إحتياجُ الكُلِّ اليه واستغناؤه عن الكُلّ دليلٌ على انه أمام الكُل )
ولقد صدق في ما قال فلم يحدِثْنا التاريخ أنّ الامام ( ع ) سألَ غيرَهُ عن مسألة أراد تعلمها منه بل كان يقول :
( سلوني قبل ان تفقدوني ) .
وكانوا يسألونه ويفزعون اليه في مشكلاتهم ومسائلهم العويصة فيلقون عنده الحلول .
-2-
وجاء في التاريخ :
انّ الوزير سليمان بعث رسولاً الى (الخليل بن احمد) يبلغه رغبته بأنْ يتولى الخليل تعليم ابنه، على أنْ يُقدّم له الوزير راتباً شهرياً كبيرا
فماذا كان الجواب ؟
كتب الخليل في الجواب ببيتين من الشعر، كان لهما صداهما المدّوي حيث قال للرسول :
أُبْلِغْ سليمانَ انّي عَنْهُ في سَعَةٍ
وفي غنىً غيرَ أنّي لستُ ذا مالِ
والفقرُ في النفسِ لا في المالِ نعرفُه
ومِثْل ذاك الغنى في النفسِ لا المالِ
ولقد صدق فيما قال، فالغنى غنى النفس، وقد كانت نَفْسُهُ غنيّةً بالقناعة التي أغنته عن الوزراء وأضرابهم من ذوي المال والجاه .
انّ غنى النفس يقلب المعادلات كلها ، ويجعل مِنَ المُكتفي بالخبز اليابس غنيا ، فيما يظل الطمّاع اللاهث وراء المال فقيراً مهما بلغت ذروتْه .
وهذا المعنى ألمّ به الشبيبي حيث قال
ففقيرٌ مَنْ غناهُ طمَعٌ
وغنيٌّ مَنْ يرى الفَقَرَ غِنى
-3 –
انّ علماءنا صانوا أنفسهم عن الخضوع للسلطويين ، وكانوا قدوة للأحرار والحرائر في مساراتهم الحياتية النابضة بالسمو والرفعة والشموخ .
والخير في مَنْ تراه من المسؤولين على أبواب العلماء يستشيرهم ويستنصحهم ولا خير في من يتسكع على أبواب السلطويين ممن يسمّي نفسه من العلماء ..
-4-
ان الحوزات العلمية لمدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) تعاني من شظف العيش ما تعاني ولكنّ ذلك لا يصدها عن مواصلة المسير لبلوغ أهدافها المقدسة في استيعاب حقائق الدين وإعداد العلماء والفضلاء للتبليغ والهداية والارشاد .
-5-
ومن المفيد هنا ان ننقل لكم ما كتبه أمين الريحاني عن سيدنا الجد كبير فقهاء عصره الامام أية الله العظمى السيد حسن الصدر – قُدّس سرّه – حيث قال عنه :
«زرتُ السيّد حسن الصدر في بيته بالكاظميّة، فألفيتُه رجلاً عظيم الخَلق والخُلق، ذا جبين رفيع وضّاح، ولحية كثّة بيضاء، وكلمة نبويّة… ما رأيتُ في رحلتي العربيّة كلّها مَن أعاد إليّ ذِكر الأنبياء كما يصوّرهم التاريخ ويصفهم الشعراء والفنّانون مثل هذا الرجل الشيعيّ الكبير، وما أجمل ما يعيش فيه من البساطة والتقشّف! ظننتني ـ وأنا أدخل إلى بيته ـ أعبر بيت أحد خدّامه إليه… ووددتُ لو أنّ في رؤسائنا الدينيّين الذين يرفلون بالأُرجوان ولا يندر في أعمالهم غير الإحسان، بضعة رجال أمثاله .»

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة