حين يكون الدعاء مجساً للاختبار

-1-
ليس ثمة من شك في أنَّ الدعاء هو من أعظم الروابط بين المخلوق والخالق، يربط الأرض بالسماء ، والعبد بالمعبود ، في منحى عباديّ مغمور بالايمان وحُسْنِ الظنِ بالله والثقة المطلقة برحمته وقدرته..

-2-
غير أنّ السؤال الآن :
كيف يكون الدعاءُ مجساً للاختبار والمتميز بين الناس لنتعرف على الداعين من خلاله ونكتشف هويتهم ؟
هل هم من الأنانيين المتقوقعُين على أنفسهم والمنغلقين عليها أم هم من أصحاب الحس الانساني والاجتماعي ؟

-3 –
انَّ الذي يجعل نفسه مَصَبّاً للدعاء ولا يتجاوزها الى إخوانه وأوطانه ، هو صاحب نزعة ذاتية مقيتة ، يعاني من الأورام التي تضخمت معها (الذات) حتى غاب عنها الآخر غيابا مطلقا .
وهذا من أخطر ما يُمكنُ أنْ يُمنى به الانسان مِنْ جمودٍ وتكلس وانطواءٍ مَعِيبٍ على الذات .
انّ النزعة الذاتية تشي بالتخلف أخلاقيا وانسانيا واجتماعيا ووطنيا ، وكلُّ ذلك رهيبُ الأبعاد والآثار .

-4-

وحين نجد من يقدم اخوانه على نفسه، ويدعو لهم بخير الدار والآخرة ، نفهم ما تنطوي عليه نَفْسُ هذا الداعي مِنْ صفاءٍ ونقاء ، وما تتميز به مِنْ سمّوٍ ورفعة ، وبهذه الروح يمكن أنْ يكون في طليعة العاملين للشعب والوطن ، ومن الأوفياء الأمناء على القيم والمبادئ والمقدسات …
وكل ذلك يرفعه الى مصاف الشخصيات العالية ذات الاخلاقية والمناقبية الحميدة .
والبونُ بين هذا النمط مِنَ النفوس الكريمة وبين اولئك الأنانيين المحدودين باطار ذواتهم كبيرٌ للغاية – كما هو معلوم – .
اين من يقول :
انما دنيايَ نفسي فاذا
سَلَمِتْ نفسي فلا عَاشَ أَحَدْ
ممن يقول :
فلا نزلتْ عليّ ولا بأرضي
سحائبُ ليس تَنْتَظِمُ البِلادا

-5-

ولقد رفعت الزهراء البتول فاطمة سيدة نساء العالمين (عليها السلام ) شعار :
(الجار ثم الدار )
حيث كانت تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تَخُصُ نفسها بدعاء
وحين سئلت عن ذلك قالت :
الجار ثم الدار
نعم
انها علّمتنا كيف يجب أن يكون الدعاء ،
وكيف يجب أنْ نكون متحابين متلاحمين ، وفي ذلك الخير كله…

-6-
ومن المفيد أنْ ننقل لكم في الختام قصة ( معاوية بن وهب )
فقد كان دعاؤه يوم عرفة – وهو في الموقف – لاخوانه واحداً بعد واحد يسميهم باسمائهم واسماء آبائهم ولا يدعوّ لنفسه على الاطلاق .
وحين قال له بعضهم :
” لقد رأيتُ منك عَجَباً ،
قال :
وما الذي أعجبَكَ مما رأيتَ ؟
فقيل له :
ايثارك اخوانك على نفسك في هذا الموضع ،
وتفقدك رَجُلاً رجلاً
فجاء في الجواب
انَّ من دعا لأخيه في ظهر الغيب دَعَتْ له الملائكة في السموات السبع .
ثم يناديه الله تبارك وتعالى :
” أنا الغنيّ الذي لا يفتقر
يا عبد الله :
لك الف الف ضعت مما دعوتَ “
ثم قال معاوية بن وهب للرجل فايّ الخطرين أكبر :
ما اخترتُه أنا لنفسي أو ما تأمرني بِهِ “
راجع عدة الداعي لابن مهند الحلي ص 171 وقد لخصنا الخبر.
وهكذا يكون أصحاب الحس الانساني الرهيف محبوبين في الارض والسماء .
وأين منهم الانانيون النرجسيون الذين ليس لهم مِنْ مُحب في الارض ولا في المساء ؟
جعلنا الله وايّاكم ممن يذكر اخوانه ويخدم شعبَه وأوطانَه .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة