«الخيط والعصفور» اعادت الجمهور العراقي إلى المسرح

المخرج المسرحي مقداد مسلم:

حاوره سمير خليل

مسكون بالمسرح، مأخوذ بسحره، رغم اشتغالاته الاخرى التي لا تبتعد بدورانها عن الخشبة، فهو الكاتب والمخرج والممثل والباحث والتدريسي والتجريبي، شغله تراثنا وموروثاتنا الشعبية، وظف الامثال الشعبية مسرحيا وجعلها مادة لتخصصه العلمي في مرحلة الماجستير، امسك بالخيط والعصفور فأعاد للمسرح الشعبي بهجته وضحكته، تألق مخرجا لمسرحيات شعبية (لا صايره ولادايره) ,( حال الدنيا ),( الناس اجناس),و(اشاعة )، كما كان دؤوبا مبدعا في تقديم مسرحيات عالمية جادة (المهندس والامبراطور) و(اهلا سيد شكسبير) و(اوديب ملكا) و(عقلاء ومجانين)، ضاقت به الحال فطاف المسارح العربية التي توهجت بعطاءه والقه، استقر في تونس وهناك نثر ابداعه كاتبا ومخرجا وممثلا وباحثا واستاذا في المسرح والسينما والتلفزيون والاذاعة، ليراوده الحنين لبيته الاثير فيعود مكرما بقاعة كبيرة حملت اسمه في العاصمة التونسية وتاركا اجيالا مسرحية تتلمذت على يديه وتدين له بالكثير، صاحب المسرحية الشعبية الشهيرة (الخيط والعصفور) الدكتور مقداد مسلم ضيفنا العزيز في ثقافة «الصباح الجديد»: نبدأ من المسرح، ماهي انطباعاتك عن المسرح العراقي اليوم؟ ما الذي يحتاجه لينهض من جديد؟
«باستثناء بعض الاعمال و هي قليلة ، تتراوح عروض المسرح العراقي في الآونة الاخيرة بين أعمال ضاحكة خفيفة تعتمد على الممثل و ليس على النص مخصصة للمناسبات كالعيد وغيره ولإثارة الضحك لدى المتفرج ، و بين أعمال تنتج خصيصا للسفر و المهرجانات، والنوعان ساهما في ابتعاد العائلة العراقية عن المسرح»، ويضيف « و من اجل النهوض بالحركة المسرحية لابد من توفر عناصر ثلاثة : دعم الدولة وتجسيد مبدأ حرية التعبير التي أقرها الدستور، بالإضافة لفنان يحترم نفسه و فنه و جمهوره «.

*الخيط والعصفور، كانت انعطافة كبيرة في المسرح العراقي والشعبي منه، كيف غامرت بهذا العمل؟ وماهي الرسالة التي اردت ارسالها من خلاله؟

  • «قدمت مسرحية (الخيط و العصفور) عام 1984 في زمن القطيعة شبه التامة بين الجمهور العراقي و المسرح و ذلك لأسباب عدة منها : الحرب بين العراق و إيران ، وهروب معظم المسرحيين إلى النصوص المقتبسة من أعمال أو نصوص عالمية لا تلامس هموم و شؤون و شجون الناس ( المسرح ابن بيئته ) وما يكتب لغيرك قد لا يصلح لك والعكس صحيح أيضا، عند تسنمي إدارة منتدى المسرح العراقي عام 1983 أقمت ندوة في أواخر هذا العام وسمتها بعنوان ( الجمهور المسرحي و كيفية استقطابه ) انتدب لها كبار ورواد المسرح العراقي آنذاك ، و خرجنا بنتيجة مفادها أن الناس تبحث عن الصدق»، ويضيف «وجدت ان من ببن الأقرب إلى الصدق هو ( المثل الشعبي ) الذي هو جزء من موروثنا الخالد ، كما كانت ( الخيط و العصفور ) أيضا من ثمرات بحث مطول قدمته أثناء الدراسة في مرحلة الماجستير عنوانه ( الملامح الدرامية في الامثال الشعبية ) فلاقت نجاحا لم يشهده المسرح العراقي عبر تاريخه،. فحققت رسالتها النبيلة في إعادة الجمهور العراقي إلى المسرح و تسليط الضوء على الكنوز التي تحويها خزانة موروثنا، و شجعني نجاحها لكتابة عمل مكمل لها وسمته بعنوان ( حال الدنيا ) قدمتها على خشبة المسرح الوطني عام 1986 و لاقت نجاحا كبيرا أيضا ، و شارك في كلا المسرحيتين نخبة من نجوم المسرح العراقي آنذاك».
  • برأيك، هل ينجح الفنان بان يكون تدريسيا او مقدما للبرامج او حتى منتجا فنيا؟ الا يعتبر هذا تشظ للإبداع وتأثيرا عليه؟
    ــ إذا كان التدريسي مثقفا ثقافة واسعة و متعدد المواهب و لديه الوقت الكاف لخوض غمار أعمال أخرى كتقديم البرامج أو الاشتراك في أعمال إبداعية أخرى في مجال اختصاصه أو قريبة من اختصاصه فهذا شيء محمود ، لكن من المفروض أن يتفرغ التدريسي لعمله النبيل و لتطوير مفردات منهجه و كتابة بحوثه و دراساته لخدمة طلابه و الحركة العلمية التي ينتمي إليها و بالتالي خدمة بلده».
  • لديك تجربة رائعة في تونس، كيف تبلورت فكرة رحيلك الى تونس؟ وكم من السنين قضيت هناك؟ وابرز ما قدمته للمسرح التونسي؟
    ــ بعد كل العطاء الكبير الذي قدمته لخدمة الحركة المسرحية العراقية و لحركة و مسيرة منتدى المسرح العراقي، وجدت نفسي و انا أب لأربعة اولاد لا املك دارا و لا حتى مترا واحدا من الأرض في بلدي العراق، و لأسباب أخرى قررت في أواخر عام 1989 مراسلة أكثر من جامعة عربية لغرض التدريس هناك و بالفعل جاءت أولا الموافقة من جامعة اليرموك في الأردن ، إلا أن ظروف التي نتجت عن الدخول في الكويت و الحرب حالت دون سفري إلى الأردن بعد أن تصرفت بكل اثاث بيتي، و جاء الحصار الجائر و ارتفاع الاسعار ليزيد من تدهور وضعي المعيشي و حينما هدأت الأمور قليلا بعت معظم كتبي و صارت مكتبتي شبه فارغة كي ادبر أمور السفر»، ويضيف» و خلال سنة من التدريس في جامعة اليرموك أشرفت فيها على 12 مسرحية لطلابي و أخرجت عملين اكاديميين كبيرين للجامعة و عملا احترافيا لفرقة مسرح الفن بإربد هناك، مما أثار حسد الزملاء و منهم عراقي كنت قد ساعدته في القبول كمدرس في قسم التربية الفنية و بدأت مضايقتي بشكل مبالغ فيه ، فغادرت للتدريس في جامعة الفاتح في ليبيا لكني لم امكث طويلا حيث تعاقدت مع جامعة تونس الأولى كان ذلك أواخر عام 1992 و بقيت هناك لمدة تجاوزت الـ 25 سنة ساهمت خلالها في إعداد اجيال و معظمهم يقودون الحركة المسرحية التونسية الآن كما قمت بتدريس فنون الإلقاء و الإخراج للمئات من الممثلين و المخرجين ، و فنون الإلقاء لعدد كبير من المحامين و الشعراء و المذيعين و مقدمي البرامج ، وكتبت و شاركت في العديد من المسلسلات الإذاعية والتليفزيونية وكتبت عددا من الأفلام الوثائقية وعلقت على عدد آخر من الأفلام الوثائقية ، كما شاركت في تأسيس عدد من القنوات الفضائية الإذاعية و التلفازية الليبية و التونسية» ، ويتابع « بالإضافة لتقديمي تجربة فريدة من نوعها ( ملحمة جلجامش بين الصوت و الصورة ) حيث قمت بإلقاء شخصيات الملحمة الخالدة بصحبة الموسيقى و المؤثرات الصوتية كل ذلك على الرسوم الرائعة لألواح الملحمة بريشة الفنان العراقي الكبير منصور البكري المقيم في ألمانيا، كما ساهمت برئاسة الندوات الفكرية و لجان التحكيم للعشرات من المهرجانات المحلية والعالمية ( طبعا هناك لا يسمح للأجنبي منافسة المخرجين المحترفين من أبناء البلد ) و تم تكريمي مرات عدة و منها تسمية القاعة الكبرى في المعهد العالي للموسيقى و المسرح بالكاف التابع لجامعة جندوبة بإسمي ( قاعة الأستاذ مقداد مسلم ) وهو أول تكريم لمبدع حي وغريب عن البلد ، ثم تم منحي الجنسية التونسية.
  • اذا كنت قد تابعت الدراما العراقية المحلية في رمضان، ما هي انطباعاتك عنها ومدى نجاحها او هبوطها برأيك؟
    ــ كل عمل إبداعي هو خطوة مباركة ، شاهدت بعضا مما قدم من أعمال درامية خلال الشهر الفضيل و كانت متفاوتة المستوى ، لكنني وجدت طاقات تمثيلية و منهم شباب أتوقع لهم مستقبلا باهرا شريطة أن يتوفر لهم التواصل و زيادة إنتاج الأعمال لأن الكثرة في الكم تؤدي إلى تبديل في النوع، لكنني اسأل: لماذا ينحصر العمل الدرامي بالشهر الكريم؟
  • ماذا تعمل في العراق اليوم؟ وماذا قدمت بعد عودتك من تونس؟ ماهي مشاريعك المستقبلية؟
    ــ انا الآن بلا عمل ، حيث سبق أن طلبت مني إدارة السينما و المسرح حال عودتي إلى بغداد أن أكتب و أخرج عملا مسرحيا شعبيا كبيرا يعيد العائلة الكريمة إلى المسرح ، فسهرت الليالي الطوال و كتبت عملا و سمته بعنوان( احوال و أمثال ) و هو بمثابة الجزء الثالث للمسرحيتين : الخيط و العصفور، و حال الدنيا ، و تمت إجازة النص عام 2018 و لم يرى النور لحد الآن بحجة ( ماكو فلوس للإنتاج ) و ( شوفلك منتج )، و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، مع هذا ساهمت في تمثيل عدد من المسلسلات الدرامية لإذاعة بغداد مشكورة و أخرجت أربع سهرات درامية إذاعية رمضانية، و منذ سنة و خمسة أشهر تقريبا تم شمولي بقانون التقاعد الجديد و ها أنا أبحث عن إضبارتي للخدمة المدنية السابقة حيث يقولون إنها احترقت مع ما حرق في بغداد سنة 2003 و إنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة