هذا اليوم الاثنين 15/5/2017 من المقرر أن تتم في مجلس النوّاب العراقي، القراءة الثانية لمشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي، وهو المشروع الذي أثار ضده موجة من الاعتراضات ولا سيما من المنظمات والهيئات المعنية بمثل هذا الميدان الأشد فتكاً لمصائر المجتمعات والدول (حرية التعبير) والتي دفع العراقيون فواتيراً باهضة وقاسية نتيجة لحرمانهم منها، طوال هيمنة نظم العبودية والاستبداد وذروتها المتمثلة بـ “جمهورية الخوف” والتي لم تستأصل لولا المشرط الخارجي والغوث العابر للمحيطات. من يقرأ مسودة ذلك المشروع في نسخته الأولى ونسخه المعدلة من قبل بقية الكتل المنتسبة لحيتان المشهد الراهن، سيدرك مدى التأثير الذي تلعبه “ثوابت الأمة” في فقه الصياغات المبهمة لمثل هذه القوانين الحيوية، إذ تسمح تقنياتهم تلك، والمستندة الى إرث عريق في مجال (المكر والدهاء) لجميع حاجاتهم القريبة والبعيدة المدى، بالتسلل والتمدد على تضاريس تلك التشريعات، كما حصل مع قانون الدولة الأساس (الدستور) والذي تحول بهمة ضيق أفقهم المشهود له، من مأوى لحكمة سكان أقدم الأوطان يرجعون إليه عند المحن، الى طرف متورط بمستنقعات التشرذم الطائفي والإثني وغيرها من كوارث “الهويات القاتلة”.
بعد تجربة غاية في القسوة والمرارة عشناها برفقة هذه الطبقة السياسية الفاشلة (نظرياً وعملياً) لا يمكن أن ننتظر منها صياغة وسن مشاريع تنهض بهذا الوطن المنكوب وأهله، جوهر مهمة التشريع تكمن في انتشال المجتمع من مستنقعات التخلف والخوف والفقر والجهل، لا تكريسها كما حصل طوال ما يفترض أنها مرحلة للعدالة الانتقالية والتحول صوب الديمقراطية والتنمية والحريات. غير القليل من ممثلي الكتل والكيانات من شتى المتاريس، يعيبون على حالة الانفلات وسوء استعمال هذه الحريات من قبل البعض، ولا سيما ما جرى في حوادث اقتحام البرلمان ومقر الحكومة المركزية وغيرها من الحوادث المؤسفة والبعيدة عن المسؤولية والحكمة، لكن مثل تلك الحوادث لا تستدعي العودة لأساليب وتشريعات النظام المباد ومواهبه في مجال تكميم الأفواه وتجريم حرية التعبير، كما أفصحت عنه العديد من فقرات مشروع القانون المقدم لمجلس النواب؛ بل هي بأمس الحاجة الى الدراسة العميقة لأسبابها الفعلية وتحديد المآرب الفعلية التي تقف خلف مثل ذلك السلوك، والذي لا يمكن فصله عن واقع الاغتراب الطويل الذي عاشته أجيال كاملة عن مثل هذه الممارسات الحضارية (التظاهرات والأشكال المختلفة للتعبير عن الرأي..). مثل هذه الحوادث والوقائع لا تدعونا لا الى النكوص للماضي الذي ولّى، ولا لكل أشكال الهروب الى الأمام، كما يحصل مع القوى التي امتطت شعارات الحداثة والتغيير من دون وجع قلب أو ضمير.
إن تمرير مثل هذا القانون والذي يتنافر عنوانه (حرية التعبير) وغاية مواده (التكميم والتجريم) سيجهض كل ادعاءات التحول والاستقرار والبناء بعد مرحلة داعش ومحارق الحروب والاستنزاف، وسينقل رسالة مغايرة للمجتمع الدولي والذي ينتظر منه دوراً مؤثراً في الأشهر المقبلة، على ممثلي الكتل ممن يدعون تحررهم من مشيئة حيتانهم الإصغاء قليلاً لنصائح المجتمع الدولي ومؤسساته النافذة ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ما صدر عن منظمة هيومن رايتس ووتش عندما طالبتهم بعدم تمرير هذا القانون (لأنه يجرم حرية التعبير ويضيق على الحريات ويخرق القانون الدولي) …
جمال جصاني
قانون حرية التكميم
التعليقات مغلقة