أبناء الشمس «Sun Children»
هادي ياسين
عام 1997 قدم المخرج الإيراني « مجيد مجيدي « فيلماً عظيماً ، بفكرة بسيطة و بأدوات سينمائية عادية و رؤية إخراجية واقعية و ممثلين أطفال غير محترفين ، هو درّبهم على التمثيل ، و هو فيلمٌ سرعان ما اكتسب شهرة في الأوساط السينمائية ، حتى أن بعض المدارس راحت تدرسه في أمريكا و اليابان ، و ترشح للأوسكار كأفضل فيلم أجنبي ، ذلكم هو فيلم ( أبناء السماء ) الذي أوصل السينما الإيرانية لأول مرة الى الأوسكار .
الآن عاد « مجيدي « ليقدم فيلماً جديداً بعنوان ( أبناء الشمس ) هذه المرة ، و الذي ترشح الى القائمة القصيرة من ترشيحات جائزة أوسكار 2021 كأفضل فيلم أجنبي في الدورة 93 . و خلال السنوات بين فيلمي ( أبناء السماء ) و ( أبناء الشمس ) قدم المخرج ستة أفلام أخرى ، أكسبته سمعة عالمية و بات يُحسب حسابه في قائمة المخرجين المتميزين على مستوى العالم ، و هو يحتل الآن الصدارة على مستوى السينما الإيرانية الى جانب مخرجين إيرانيين متميزين .
فيلم ( أبناء الشمس ) لا يشبه فيلم ( أبناء السماء ) ، ولكنهما من عجينة واحدة ، فكلاهما يعتمد فكرة بسيطة غير مطروقة ، و كلاهما تم إخراجه بذات طريقة « مجيد مجيدي « الواقعية ، ولكنها الواقعية التي لا تلامس الواقع بل تتغلغل فيه و تخرج بواقع مصنوع سينمائياً . و لكلا الفيلمين إختار المخرج أبطاله من الشارع ، و هو الأسلوب الذي ابتكرته السينما الإيطالية التي تأثرت السينما الإيرانية بها كثيراً . ولكن « مجيد مجيدي « لم يعمد الى ذلك مع الكبار ، فجميع ممثلي أفلامه الكبار هم محترفون في السينما الإيرانية ، إنما مارس هذا الأسلوب مع صبيان أطرياء ، خامات صافية ، درّبهم على يديه و حقنهم بسحر السينما فخرج منهم بممثلين أنداد للممثلين الكبار المحترفين ، و لعل صورة الصبي « مير فرخ هاشميان « و الصبية « بهاره صدّيقي « اللذين مثلا دور الشقيقين ( علي ) و ( زهرا ) في فيلم ( أبناء السماء ) مازالتا عالقتين حتى اليوم في أذهان مشاهدي ذلك الفيلم بأدائهما الباهر الذي لا يُنسى .. رغم مرور نحو ربع قرن على تاريخ إنتاج ذلك الفيلم .
في هذا الفيلم الجديد ، إعتمد « مجيدي « ذاتَ الطريقة ، فالتقط أبطاله من الشارع ، و هم من الصبية الباعة المتجولين ، و قد جاء بهم بكامل قيافاتهم الفقيرة و ملامحهم التي لم يقترب منها المكياج أبداً . هؤلاء الصبية لم يكونوا من الطبقة الفقيرة حسب بل من الطبقة المسحوقة .
المخرج « مجيد مجيدي « يدرك تماماً بخبرته و علمه السينمائي أن موضوع فيلمه الذي كتبه بنفسه لا يمكن أن يكون ممثلوه إلا من ذات البيئة التي يعيش فيها أبطاله ، لذلك اختارهم و التقطهم بعناية من الشارع ، و با
لذات الفتى « روح الله زماني « الذي حمل ثقل بطولة الفيلم بكاملها ، و هو يمثل دور « علي « ، فأدهش الجميع بتمثيله ، و هو الذي يقف أمام الكاميرا لأول مرة و لم يفقه من التمثيل شيئاً و ربما لم تطأ قدماه عتبة دار سينما يوماً .. و لو خطأ ً.
منذ المشهد الأول ، ندرك أن أبطال قصة الفيلم صِبية مُستغَلون ، و هم متهيؤون للقيام بأي عملٍ يُكلّفون به ، فهم يعملون في ورشة تصليح السيارات ، و في هذا المشهد نجد أن صاحب الورشة قد جاء بهم الى مرآبٍ كبير للسيارات الحديثة لسرقة إطارات السيارت ، و من هذا المشهد نجد أن الفتى « علي « يضطلع بدور قيادي في المجموعة ، فهو فطن و ذو نباهة و ذكي و سريع البديهية و صاحب مبادرة ، و لعل المخرج قد اختار « روح الله زماني « لهذا الدور لتوفر كل هذه الخصال في شخصيته الأصلية .. خارج الفيلم .
لا ينطوي الفيلم على تصاعد درامي في أحداثه ، إنما تتخذ الدراما من النمو الأفقي مستوىً لها ، فالأحداث تمحورت حول فعل مركزي يتسع أفقياً ، و كلما اتسع إزداد انشداد المُشاهد ، حتى يصل الى شد الأعصاب ، و أحياناً الى الخوف .
يبدأ خيط الفيلم بالتوجه نحو مركزيته ، من حدث بسيط ، عندما يرسل « هاشم « مساعده للإتيان بالفتى « علي « ، و « هاشم « ( الذي لعب دوره الممثل « علي نصريان « ) مُربي طيور ، و مصلّح أدوات كهربائية ، و سنعلم أنه مروج مخدرات أيضاً و أنه ألقى ـ ذات يوم ـ كمية منها في المجاري عن طريق فتحة سطحية ، ربما عندما داهمته السلطات .
عندما جاء « علي « جاء خائفاً و معه حمامة كان قد سرقها من « هاشم « الذي لم يهتم بها ، بل عرض عليه عرضاً كبيراً حين طلب منه أن يسجل ، هو و رفاقه ، في مدرسة ( خورشيد ) ، و هي مدرسة تؤوي المشردين و تستعين بالتبرعات . هدفُ « هاشم « هو أن ينزل « علي « و رفاقه الى قبو المدرسة و حفر الجدار باتجاه المقبرة للعثور على ( كنز ) مدفون تحتها ، و من هنا تبدأ محورية الفيلم التي تحول كل الأحداث الى هوامش تتسع حولها .
حصل الفيلم على الجائزة الثانية من مهرجان البندقية الإيطالي السينمائي الدولي في دورته السابعة و السبعين لعام 2020 ، فيما حصل « روح الله زماني « على جائزة « مارسيللو ماسترياني « كأفضل ممثل شاب ، ولكنه لم يستطع الحضور بسبب إصابته بفايرس ( كورونا ) حينها ، غير أنه بعث برسالة مصورة الى المهرجان شاكراً إدارته على منحه الجائزة ، و أضاف : ( أوجه شكري و إمتناني الى المخرج مجيد مجيدي الذي غير مسار حياتي كلياً ) و تمنى أن تنتهي مآسي الأطفال المشردين و العاملين في الشوارع و أن يعيش جميع الأطفال حياة تليق بالطفولة.