لوركا.. بين سميرة مخلباف وماركوس زوريناغا

At Five in the Afternoon فيلم الساعة الخامسة عصرا

قبل عدة سنوات شاهدت فيلم المخرج الاسباني ماركوس زوريناغا « إختفاء لوركا « وقام بدور البطولة فيه الممثل اندي غارسيا ، الفيلم يتحدث عن صديق لوركا « ريكاردو « قام بدوره الممثل « إيزاي موراليس « وهو يتقصى اثر اختفاء الشاعر الاسباني لوركا ، وقد عدت بذاكرتي اليه بعد مشاهدتي للفيلم الايراني « ساعت بنج عصر ، للمخرجة الايرانية سميرة مخلباف التي اعتمدت قصيدة الشاعر لوركا ضمن المتن الحكائي للفيلم ومنذ المشهد الاول للفيلم يأتي صوت من خارج الكادر وهو يقرأ بعضا من ابيات هذه القصيدة الرائعة ، حيث ارادت مخلباف من هذا الاستخدام استعارة موضوعة الاختفاء ففي فيلم « زوريناغا « يكون البحث عن اختفاء شاعر ، بينما هنا الموضوعة اختفاء وتشريد شعب كامل هو الشعب الافغاني والمحور المعبر عن ذلك هي قصيدة لوركا الساعة الخامسة .

حمل الريح القطن الخام* بعيدا
في الخامسة عصرا
والأكسيد يتناثر مثل البلور و النيكل
في الخامسة عصرا
وقت الحمامة و النمر يتصارعان
في الخامسة عصرا.
القرن البوريّ يتقافز مع فخذ غربيّ
في الساعة الخامسة عصرا
و المرور الهادئ اختفى
في الخامسة عصرا
و أجراس ( آرسنيك ) تدوي و الدخان
في الخامسة عصرا!
الحالة الظاهرة مجرد سكون..
سكون في جميع الأرجاء
فمجموعات الصمت.. تسكن الأركان
في الخامسة عصرا!
و الثور الإسباني الوحيد .. فقط معه قلبه العالي!
في الخامسة عصرا.
عندما احتلنا روعة الثلج البارد
في الساعة الخامسة عصرا!
عندما غطى اليود حلقتنا الهمجية
في الخامسة عصرا
و الموت يوضع بيضاته في الجروح
في الخامسة عصرا
كل هذا في تمام الساعة الخامسة عصرا».

مخلباف تمكنت من صنعتها بشكل هائل فالمشهد الاول او الاستهلالي رسم بطريقة معبرة جدا ، بعض من قصيدة لوركا مع خروج عائلة من خلف التلال التي تعبر عن الاختفاء والتشرد خلفها ومحاولة العودة الى البلد ثانية بعد هزيمة طالبان ، شابة وابيها الكهل المتعصب دينيا وزوجة اخيها الذي فقد ولا يعرفون مصيره مع طفلها الذي تعاني كثيرا للحصول على الحليب والطعام له ، الاب يحاول ان يوصل ابنته يوميا الى المدرسة لتتعلم اصول الدين وحفظ القرأن معترضا على دخولها مدرسة حكومية اعتيادية لأنه يعتقد أن الكفر يعم المكان ، ودائما ما يشيح بوجهه مستغفرا الله اذا ما شاهد نساء يكشفن وجههن ، هنا ترسم مخلباف مشهدا انيقا من خلال اللقطات التي تصف عربة الاب ، حيث واجهة الكرسي الخلفي للعربة باتجاه الخلف وليس باتجاه حوذي العربة ، وهي مفارقة ، اذا بإمكان النساء ان يفعلن الكثير بالشادرو الذي يغطي وجههن دون علم الحوذي وهو هنا الاب ، مخلباف استعادت الكثير من مشاهد « الكابوي « والتي من المؤكد انها شاهدت العشرات منها ، حيث تقف العربة بزوايا مهمة من الشارع مظهرة بؤس المكان وخوائه .
الطريق الى المدرسة مظلم فهو يؤدي الى مدرسة دينية بائسة يختلط فيها الطلبة مع حيوانات المعلم « الملا « الذي يدرس او يحفظ طالباته القرأن .
الشابة « نقرة « لعبت الدور الممثلة «اغيلة رضائي « تسجل من غير علم والدها في مدرسة حكومية ، وتذهب اليها هروبا من المدرسة الدينة .
هنا توظف مخلباف اللغة السينمائية بشكل مؤثر فالشابة « نقرة « تفتح الباب المؤدي الى المدرسة الحكومية لتقف وسط ضياء وسطوع ضوء جميل وتستبدل حذاؤها الاسود البالي بحذاء ابيض خبأته في حقيبتها ، وتسفر عن وجهها الذي كانت تضطر لتغطيته خوفا من ابيها ، لذلك فهي الوحيدة التي لا ترتدي الزي المدرسي الرسمي ، كذلك هي اكبرهن سنا ، كونها دخلت المدرسة متأخرة جدا .
الحوارات التي تدور بين الطالبات حوارات تطرق سمعها لأول مرة ، الديمقراطية الحرية ، حقوق المرأة ، امكانية ان تكون احدى النساء رئيسة لجمهورية أفغانستان ، لتبدأ رحلة الحلم بأن تصبح رئيسة للجمهورية ، كل ذاك يمر عبر انتقالات شبه يومية في حياتها تجري مع تغير امكنة اقامتها مع عائلتها بسبب رفض الاب العيش مع الاخرين باعتبارهم يرتكبون الكثير من المعاصي . في احدى هذه الانتقالات تتعرف على شاب شاعر يساعدها في تنمية حلمها لكي تصبح رئيسة ويجيبها عن اسئلتها فيما يخص خطاب الشخص الذي يريد ان يصبح رئيس جمهورية ، في احد المرات توجه اسئلتها الى احد الجنود الفرنسيين الذي يستغرب هذه الاسئلة من فتاة تعيش في اطلال قصر ، الشاب الشاعر يحاصرها ويتبعها اينما تذهب وهي تخاف والدها المتزمت جدا الذي انزل فتاتين مراهقتين من عربته بسبب ضحكهما ورفعهما للبرقع عن وجههما .
في احدى المرات يقرأ لها قصيدة لوركا الساعة الخامسة عصرا ، وتعرف انها لشاعر اسباني مهم .يبقى صوت الصوت يتردد على مسامعا ، تنظر من خلال احدى نوافذ القصر الى كابول المهدمة ، وكان مخلباف ارادت ان تقول من يريد ان يصبح رئيسا لجمهورية يعمها الخراب .
فجأة يقرر الوالد ترك كابول « الكافرة « كما يسميها ليبدأ مع ابنته وزوجة ابنه رحلة الى المجهول ؛ حيث يموت الطفل في الطريق من شدة الجوع والعطش ويضطر الى حرق عربته لتتدفأ العائلة ، في مشهد نهائي مؤثر يصادفون شيخا نفق حماره ونفذ زاده ضل الطريق الى كابول التي يريد الذهاب اليها لنصرة اسمة بن لادن ضد الأمريكان الكفار الذين يريدون قتله ، الشابة نقرة وزوجة اخيها يذهبن للبحث عن الماء ، الاب يحفر بحجر قبر حفيده ، الكل مقبل عن الموت ، الوقت هو الساعة الخامسة عصرا ، الفتاتين يختفين خلف التل بعدما ظهرن من خلفة في المشهد الاول . قصيدة لوركا مستمرة .

حمل الريح القطن الخام بعيدا
في الخامسة عصرا
*القطن هنا ملابس الفتاتين « الشادور « الذي يغطيهن ، ربما الكفن الذي قد لا يحصل الجميع عليه .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة