الاوركيديون الطيبون في “حلم أوروك”

يوسف عبود جويعد

تُعد النصوص السردية الروائية الموجهة للفتيان، من الكتابات النادرة التي تتطلب مهارات خاصة، ووعياً وثقافة تؤهل من يقوم بهذه المهمة أن يصل الى عقل وسلوك الفتى، الذي يتمتع بخيال خصب وأفكار تناسب عمره، وطموحه الذي يقرر من خلاله طريقه للوصول الى مبتغاه، وحبه للمغامرات والحكايات الشعبية والاسطورية لما تتضمنه تلك الحكايات من غرائبية وعجائبية وفنتازيا، تجعله يستمتع بمتابعتها، ويتخيل نفسه أنه واحد من الشخوص التي تعيش في كنفها، وهو لا يميل، ولا يرغب، ولا يحب الكتابات ذات الطابع التقليدي الممل والمكرر والخالي من المتعة والتشويق، وهو يفضل دائماً الكتابات التي توظف فيها الحكايات الشعبية والاسطورية، وكذلك التي تتناول الحضارة وأسرارها وكنوزها، ويقدم لنا الروائي نعيم آل مسافر، من خلال روايته (حلم أوروك) الموجهة للفتيان، واحدة من تلك المغامرات الفتية التي تتناسب وعمره وأفكاره وطموحاته، التي وظف فيها الروائي تلك العناصر، مع استحضار حضارتنا وتراثنا، حيث تدور الأحداث قرب زقورة أور:

(عند منتصف النهار، أعلنَ جرس ثانوية أوروك نهاية يوم دراسي حافل، فقصد الطلاب بيوتهم المنتشرة وسط المدينة، بينما استقل علي الباص، متوجهاً نحو قريته، وما ان وصل البيت حتى غيَر ملابسه وتناول طعام الغداء، وخرج بقطيع الأغنام إلى الفلاة، بعد أن دلقتْ أمه خلفه طاسة ماء مُشيعةً إياه بدعواتها ونظراتها الحانية) ص 7

وهو يرعى أغنامه أمام زقورة أور الأثرية، وأثناء بحثه في أطراف تلك الزقورة يعثر على ناظور، وعند النظر من خلاله يشاهد صبية جميلة تنظر اليه من خلال الناطور، وتبين أن هذا الناظور الذي وجده علي يرى الماضي، بينما الناظور الذي بيد تلك الفتاة يرى المستقبل، ومن هنا تبدأ تفاصيل الحكاية لنلج داخل الأحداث الحافلة بالمغامرات المتواصلة غير المنقطعة التي تؤكد قدرة الروائي على الاستحواذ التام على هواجس المتلقي، ونود الإشارة هنا الى أن الروائي نعيم آل مسافر، خرج من تلك النصوص التي تتناول الآثار والعالم السفلي، بشكل غائر في القدم، حيث استطاع أن يطور تلك الرؤية الفنية التقليدية باستحضار التقنيات الحديثة والتطور الذي طرأ على الحياة في جميع المجالات، ليتفاجأ المتلقي أن العالم السفلي استخدم هذا التطور وتلك التقنيات بشكل أكبر وأوسع، ليغير الصورة القديمة ويعطيها طابعاً جديداً يستطيع من خلالها التواصل مع الفتى.

ونتابع المسيرة السردية، لنكتشف أن علي بدأ يتوغل في هذا العالم، واكتشف أشياء أخرى، غير الناظور، الذي تتطلب منه أن يتعلم فن الإشارة ليتواصل مع الفتاة، ومن محاسن الصدف أنه تعرف على زميل له في الدراسة اسمه عمر، علمه فن الإشارة، وأن والد عمر عالم آثار وألف كتاب اسماه (كنوز اوروك) وفيه كلمة السر، التي من خلالها تفتح بوابات العالم السفلي، والتحق معهما مصطفى، للبحث عن المدخل، حيث وجدوه في حفرة قرب الزقورة، ورغم عدم معرفتهم لكلمة السر، الا أن الصدفة وحدها جعلتهم ينطقونها (حمل، سدر، حمار، كلب)، وبمجرد أن أكمل نطق تلك الكلمات الأربع، لاحظوا أن البوابة قد فُتحت! فدخلوا فيها وجلين.

ونعيش تفاصيل كبيرة تتعلق بتلك المغامرة، تخص دخولهم العالم السفلي، والعودة ثانية بعد رؤيتهم الحياة هناك، التي هي أكثر تطوراً من حياتهم، ودفن عمر كتاب والده قرب الزقورة والعودة إلى الموصل، واختطافه هناك، من أجل أن يعطيهم كتاب والده، وتعرض الى التعذيب واختطاف أمه وجلبها ورؤيته لها من خلال شاشة التلفاز، ثم اختطاف علي ومصطفى ليلتحقا بعمر، ورميهم بغرفة مظلمة، وتبين بعدها لعمر أن هؤلاء الارهابيين هم من اعتقلوا والده وعذبوه من أجل أن يعطيهم الكتاب، الا أنه رفض ذلك فقتلوه، وبفضل تطور التقنيات في العالم السفلي وحضورهم في مكان اعتقال الفتية، استطاعوا إخراجهم من الاعتقال:

(نحن من الاختراعات المتطورة التي ابتكرها اسلافكم فقد طوروا تقنية صنع جهاز صغير لا يمكن مشاهدته بالعين المجردة، ويمكنه في لحظات أن يطير إلى أبعد المسافات، كما يمكنه اختراق الجدران، وقراءة أفكار ورغبات البشر وايصالها إلى من يرغبون الحصول عليها، وأطلقوا علينا تسمية رسل التخاطر.) ص 82

ومن أجل ان يحافظ الروائي على فضاء النص وبيئته وإبقاء المتلقي وسط أجواء تلك الحضارة ورموزها، فقد عمد الى عنونة فصول تلك الرواية بأسماء المعالم الأثرية والرموز البارزة، الفصل الأول الزقورة، خمبابا، الفصل الثاني سدر، هامو، أوميا، الفصل الثالث الحدباء، القبو، تخاطر، الفصل الرابع كلمة السر، أرض اللا عودة، ايرشكيجال، والأخيرة هي ملكة اور التي تعاونت مع الفتية وساعدتهم كثيراً من أجل الحفاظ على الكنز الحضاري من التخريب.

كما اكدت الاخبار التي تناقلتها عن أولئك الآثاريين أنه كانت للأجانب تحركات مريبة منذ وصولهم الموقع الآثاري، حتى اختفوا ذات ليلة قرب الزقورة بشكل غامض.

( – ألا تعتقد يا صديقي أن (كنز أوروك) الحقيقي، هو تكاتفنا مع بعضنا، ومحبتنا لبعضنا؟

فرد عليه عمر بنفس نبرة المحبة والفخار:

وهل في ذلك شكٌ يا صديقي.) ص 115

وفي هذا النص الذي يعلن نهاية الرواية، إشارة واضحة لتضافر تلك الفئتين واتحادهم الذي هو كنز كبير يعزز وجودنا وقوتنا.

وللنص الروائي رؤية من زاوية نظر اخرى، وهي مدخل لتحليل النص من خلال فتح مغاليق الرموز والاستعارات الصورية والانزياحية، وفك طلاسمها، لنكتشف ومن خلال الخطاب الموجه للمتلقي، عليه أن يقوم بشحن الذهن من أجل أن يعرف تلك الرموز مثل:

(الأشقر، ضيق العينين، معتم البشرة، الحمل، السدر، الكلب، الحمار، كنوز أوروك، علي، عمر، مصطفى، العالم السفلي، وأشياء أخرى)، لا تتسع الدراسة تناولها، وهي ومتروكة للمتلقي لمعرفتها.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة