مختبر السرديات.. ورشة نقدية متواصلة

هبة قاسم

في مدة قصيرة أصبح مختبر السرديات في قسم اللغة العربية/ كلية التربية للعلوم الانسانية / جامعة واسط منصة للابداع وتمكن من لم شمل المبدعين على مستوى الوطن العربي، وهذا لم يكن ليتحقق لولا الجهود المثمرة التي يبذلها الاستاذين المبدعين د. ثائر العذاري و د. جاسم  الخالدي رئيس قسم اللغة العربية. اللذان أقاما العديد من الندوات التي جمعت مختلف النقاد والأساتذة المختصين بالأدب من جميع الأقطار العربية في ندوات لمناقشة الروايات في أجواء نقدية علمية  خالصة ،وزج الباحثين الشباب في عوالم النقد لسبر اغواره والافادة من هذا التجمع الذي ضم نقاد من جنسيات مختلفة  وثقافات متعددة.  

الخميس 17/ أيلول/ سبتمبر 2020

في مختبر السرديات وعبر الانترنت، أقيمت الندوة الرابعة للمختبر  ونوقشت فيها رواية (حكايات طرح النيل) للروائي المصري السيد نجم، الصادرة في 2018 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ناقشها كل من الناقد السوري الدكتور( أدهم مسعود) والناقد الدكتور ( جاسم الخالدي) والباحثة طالبة الدكتوراه في جامعة ديالى (زبيدة الزبيدي)

قدم الندوة الدكتور ثائر العذاري مستهلا حديثه بأهمية الرواية المستمدة من بنائها بشكل خاص لأنها توظف تقنيات يصعب تخيل جمعها في رواية واحدة، وبطلها الاشكالي ( نواف) الذي يذكرنا ب (دون كيشوت) والبناء السردي الذي أعاد للذاكرة حكايات الف ليلة وليلة ورواية ( حكايات حارتنا) لنجيب محفوظ وهي قريبة أيضا في بنائها من رواية عراقية حديثة هي رواية ( دمه) للروائي العراقي محمد الاحمد.

استهلت الندوة بقراءة الناقد المبدع الدكتور ( أدهم مسعود) الذي بدأ حديثه عن اعمال السيد نجم الادبية والنقدية مشيرا الى تجربة جديدة للسيد نجم في مجال التجريب ، ثم انتقل بحديثه عن نتاجاته مابين 2018-2020 حيث كتب ثلاث روايات ( ضجيج الضفادع وحكايات طرح النيل وجدران مرتفعة) قائلا بأنها تمثل مشروعا روائيا واحدا يقوم على اساس واحد هو التجريب وكأن السيد نجم أراد يعيد تاريخ هذه المنطقة وفق رؤى جديدة تتماشى مع ثورات الربيع العربي بشكل عام وثورة يناير خاصة.

وبخصوص رواية ( حكايات طرح النيل) وضع الدكتور ادهم يده على ملامح فنية مهمة في الرواية فسلط الضوء على ( حاسة شم الروائح) عند شخصية القصة الرئيسة( نواف) التي منحته سلطة استشرافية  أضفى على هذه الرواية اتساقا ووحدها موضوعيا عن طريق تجسيره احداثها اعتمادا على تلك الرائحة التي تربط صاحبها بفضاءات الرواية واحداثها وشخصياتها، فهي القاسم المشترك لفصول الرواية، حتى ان عنوانات الرواية الداخلية جاءت مرتبطة بها.

وكانت وجهة نظره بإزاء الشخصيات الروائية في هذه الرواية أن الكاتب شيد الشخصيات عن طريق افعالها بدون توصيفيها  فالافعال هي من كانت تحدد مسارها وبرأيه  ان السيد نجم اشتغل على التخييل السيري     ( الغيري).

هذا فضلا عن سرده لاحداث أراد لها ان تكون هي التاريخ الجديد لاحداث محفورة بالذاكرة الشعبية والتاريخ الرسمي وبهذا يكون الكاتب قد نجح في جعل نصه الروائي سبيلا جديدا للتاريخ.

وختم حديثه بالقول ان الرواية كشفت عن رغبة الكاتب السيد نجم لولوج عالم التجريب والابتعاد عن المألوف.

أما المحاور التي تحدث عنها الناقد الأستاذ الدكتور ( جاسم الخالدي) فقد كان أولها عتبة النص ( حكايات طرح النيل) مشيرا الى أن العنوان يطرح تساؤلات عدة منها هل مابين ايدينا حكيات كما يقول النص او رواية على اعتبارات فنية تتعلق باشتراطات كتابتها؟

ثم عرج على الحديث عن بنية الرواية التي تقوم على الليالي حيث وزعها على عدد من الليالي مع توصيف لكل ليلة مما جعل الشفاهية طاغية على مجريات السرد، كما تركت اثرها على لغة الرواية نفسها فهي مزيج من العربية الفصحى والوسطى واللهجة المصرية القروية.

وأشار الى التناص الموجود بين رواية ( حكايات طرح النيل )  ورواية ( العطر) لباترك زوسكيند وذكر مفصلا نقاط الالتقاء والتقارب بين الروايتين. وتطرق للحديث عن الدراما الموجودة في النص وكذلم التطرف والتناقض الذي تعيشه القرية المصرية ، وتحدث عن مهارة واحترافية السيد نجم في صنع نهاية الرواية        ( نهاية دائرية) تعود بالقارئ الى بداية الرواية .

واختتم حديثه عن الرواية بقوله انها استطاعت ان توظف بنية الحكايات بشكل كبير جدا واستطاع الروائي من خلال فكرة العطر ان ينتقل بالقارئ الى حكايات عديدة  وهي حكايات لاتخص البطل ( نواف) فقط ولا قريته وانما تخص المجتمع بأكمله الذي تحول بفعل التغيرات السياسية والاجتماعية  من مجتمع الى مجتمع اخر مشيرا الى انها رواية صراع بين الاجيال.

وكان مسك ختام الندوة  مع الباحثة ( زبيدة الزبيدي) والتي استهلت حديثها عن البنية السردية للرواية وعن شخصية بطل الحكايات ( نواف)  التي دارت حوله حكايات الرواية، من استلامه ورقة الحضور للمثول امام القضاء ( قضية الحجر) الى مثوله بين يدي القاضي.

اشارت الباحثة الى ان للمكان ميزة مهمة في الرواية فصرحت بقولها ان الرواية مشبعة بالدلالات المكانية ابتداء من عتبة العنوان الاولى ( حكايات طرح النيل ) حيث قام البطل نواف بتشييد مكان قرب طرح النيل تجتمع فيه الشخصيات لتبادل الكلام وللهروب من الواقع ، وكذلك ( بيت الجد) الذي جمع سكان القرية ، يتبادلون فيه الحديث والمشاورات وغيرها.

وفي حديثها عن البنية العامة للرواية وجدت ان النص يتكون من وحدات صغيرة يشكل مجموعها البنية العامة للنص اذ تتالف الرواية من الحكاية الاطارية الخاصة بمحكمة نواف وتضم الحكايات التي تولدت منها،التي كانت متنوعة فأغنت الحكاية الرئيسة.

(التطور الجيلي) هذا ما تحدثت عنه الباحثة بشكل مفصل مشيرة الى الفجوة التي خلفها صراع الاجيال والتحولات الجيلية وتغير القناعات، مستشهدة بعاصم  الذي كان او من اعترض على والده ومعتقداته وافكاره  وكذلك ابنته روح ، ورفع قضية الحجر على والدهم نواف  التي بدأت وانتهت الرواية بها  ماهو الاحجر على التراث والمعتقدات والقيم المصرية القديمة وافكار الاباء والاجداد  وفي الختاب عبر الروائي الذي كان حاضرا عن سعادته بما ينجزه مختبر السرديات العراقي من نقد رصين عال المستوى.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة