لقطات شعرية

-1-
عمليات الاقتراض المالي من الاصدقاء غالباً ما تكون بعيدة عن الكتابة فهي مبنية على الثقة، وعدم التدوين يفتح المجال واسعاً أمام الراغبين في الإنكار والاحتيال .
وقد عمد أحد الشعراء الاذكياء الى كتابة ابياتٍ ثلاثة لصديقه، حين جاء يستقرضه فقال مخاطباً صديقه :
أَنِلْني بالذي استقرضتَ خَطّاً
وأشهدْ مَعْشَراً قد شاهدوهُ
فانّ اللهَ خلاّقُ البرايا
عَنَتْ لِجَلالِ هَيْبَتِهَ الوجوهُ
يقول : اذا تداينتم بِدَيْنٍ
الى أجلٍ مَسمّىً فاكتبوهُ
وهكذا حصل على الإقرار الخطي بتسلم القرض وبالاشهادعليه أيضاً
-2-
ورغم أنَّ الصفح من الصفات النبيلة، الاّ أنَّ الكثير من الناس يأبون التسامح، ويرفضون الصفح ..!!
وهنا يقوم الشاعر بدور الترهيب من هذه النزعة المقيتة فيقول :
الصفحُ مِنْ شِيمِ الكرامِ فانْ تَجِدْ
مَنْ ليس يعفو عَنْ مسيءٍ إنْ جنى
فهو الدليل على خساسة أَصْلِه
فاصفحْ عن الجاني لِتَغْدو محسنا
ان الشاعر يجعل رفض العفو دليلاً على خسة الأصل، وذلك ما لايرضاه لنفسه كل من يرفض العفو والتسامح، فيضطر لاصطناع العفو والتسامح ليكون من المحسنين …!!
-3-
ويعتبر ( ابن الوردي) حاسدّهُ يعمل من أجْلِ الاشادة بمناقبه، وهو بهذا يحذّر حاسديه من مغبة ما سيؤول اليه امرُه من علو الشأن والشهرة مضافاً الى ما يكسبه من الحسنات وقد يعيد الحاسد حساباته ويكف عن حسده ..!!
سبحانَ مَنْ سخر لي حاسدي
يُحْدِثُ لي في غَيْبتِي ذِكْرا
لا أكرهُ الغِيبةَ مِنْ حاسِدٍ
يُفيدني الشهرةَ والأجرا
وهذا المعنى تناوله غيره من الشعراء أيضا :
قال ابو حيان :
عِداتي لهم فَضْلٌ عليَّ ومنّةٌ
فلا أذهبَ الرحمنُ عني الأعاديا
هُمُ بحثوا عَنْ زلتي فاجتنبتُها
وَهُمْ نافسوني فاكتسبتُ المعاليا
انّ الحُسّاد والأعداء جعلوه يجتنب الوقوع في المطبات،ويحرص على الاتصاف بأحسن العادات .
وهكذا حوّل الحسد إلى عاملٍ ايجابي يخدمه ويضر بمن أراد النيل منه..!!
-4-
وأفصحَ ( عبد الله الطرابلسي ) عن اهمية الشعر ودوره في امتداح الذوات النبيلة، وانتقاص النفوس اللئيمة ، وبالتالي فهو سلاح يفوق الأسلحة المعروفة يومذاك، فاسمعه يقول :
خلِّ بيني وبَيْنَ نَظْمِ القريضِ
إنّ فيه شفاءَ كلِّ مريضِ
فهو عَوْني لَهِجْوِ كلِّ لئيمٍ
وامتداحٍ لِذي النَوالِ المُفِيضِ
لي يَراعٌ يُراعُ كلِّ هزَ برٍ
منهُ اذْ فاقَ فَتْكَ سُمْرٍ وبِيضِ
غررُ تُشبهُ العقود نظاماً
أشرقتْ شمسُها بِأُفْقِ العَروضِ
وقواف تفوقُ حلي العذارى
قد تحلّتْ وما بِها مِنْ غُموضِ
-5-
وامتدح أحد الشعراء رجلاً لم يكن أسيراً لهواه ، ولم يكن مشدوداً لدنياه فقال :
واذا وعدتَ بنائلٍ
حاشاكَ ما أخْلَفْتَ وَعْدا
واذا حُبيتَ بِمَنْصِبٍ
جُعَلَ العفافُ عليك بُردا
لم تُولِكَ الدنيا الدنية
عن رضى مولاكَ صَدّا
تأتي اليك ذليلةً
فترى لديك غِنىً وزهدا
واين من هذا كله اولئك الذين اَفْسَدَتْهُم المناصب،ومسختهم مسخا، فانصرفوا الى دنياهم ونسوا آخرتهم ومولاهم، وكانوا من المكروهين …

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة