البناء المركب في “بنادق النبي”

يوسف عبود جويعد

إن النصوص السردية الروائية، التي تناولت أحداثاً كبيرة وواسعة ومتدفقة مزدحمة بالتفاصيل المتصاعدة والمتواترة والمحتدمة، وبسخاء لافت للانتباه، وكذلك تتضمن ثيمات متعددة، تضمر أفكاراً ذات وعي وفلسفة مضمرة، تلك النصوص تجد طريقها الانسب والصحيح في مسار تطور فن صناعة الرواية، وفي رواية (بنادق النبي) للروائي سالم حميد، نجد هذا التدفق، وهذه السعة في تناول الأحداث، وهي تتضمن مسارين سرديين لإدارة دفة الحركة السردية، الأول هو مسيرة حياة (أسمر الشولي) بطل هذا النص، الحافلة بالأحداث الشيقة التي تصل حد حبس الأنفاس، أما المسار الثاني والذي يحمل الفكر والجدل القائم بين الأديان بتفاصيله المهمة، ومن خلال تلبس النبي ماني روح أسمر، ومشاركته تفاصيل ومرافقته للرحلة الحياتية، التي من خلالها يبغي إيصال نبوة ماني وكشف الافكار والقيم والمبادئ والعقائد التي ظهرت فائدتها بعد أن وجد مواطن الخلل في مسيرة الدين الإسلامي الذي يحاول البعض تشويه معالمه الاصيلة والنزيهة، بسبب أفعال خارجة عنه، مثل استخدام العنف المفرط وغير المسوغ الذي يصل حد استخدام الأسلحة بكل أنواعها من أجل قتل المسلم من قبل إنسان مسلم آخر بعنجهية وهمجية خالية من الوعي، وقد أشار الروائي لهذه الثيمة من خلال المستهل الذي بمنزلة العتبة النصية الموازية التي تتيح لنا ولوج هذا النص:

“تنويه”

كل الآراء التي وردت على لسان أبطال هذه الرواية تخص معتنقيها، أي أصحاب الأديان الأخرى، وهذا ما يجري في الواقع حينما يتناقش المسلم مع المختلف من الأديان الأخرى، ولا علاقة للروائي ولا لدار النشر بها..فــ” ناقل الكفر ليس بكافر”.. لهذا اقتضى التنويه) .

وهذه الإشارة سوف تساعدنا لمعرفة النبي ماني، الذي ظهر في القرن الثالث الميلادي، ومات بعد اعتقاله وسجنه هو ومعاونه، وتم اعدامه، وظلت أفكاره ومعتقداته تطوف لأكثر من الف عام، وظل السائد من المعتقدات أن هذا النبي حي ويتنقل من خلال تلبسه لأحد الأشخاص:

(ولسوء حظ “أسمر” ان اختاره النبي ماني وتقمصته الروح الهائمة، فيبدو لمعظم الناس بأنه شخص غريب الأطوار، وزاد من ذلك اسمه الذي يعاكس لونه الأشقر، ورسوماته الغريبة الأشكال وتصرفاته الأخرى) ص 11

وهذان المساران تتداخلان عند دورة الأحداث التي بدأت في مطلع شهر نيسان عام 2003 ليتناوبا في العملية السردية، وفي المبنى السردي، حيث إن النبي ماني عندما تلبس أسمر كان يريد أن يكشف الصورة التي انقلبت لوجه الدين الإسلامي الذي زيف من قبل هذه الثلة، وأن يحاول جاهداً إظهار دينه أحسن وأوضح من خلال هذا المدخل المزيف الذي شوهت فيه حقائق كثيرة عن ديننا الحنيف، ومن خلال الأحداث التي سوف نشهدها عن حياة أسمر الحافلة بالأحداث الكبيرة، حيث تنطلق تلك الأحداث من نقطة البداية، من محافظة ميسان، وبالتحديد من سوق (زبيّد)، ثم يشرد إلى العاصمة بغداد بعد أحداث سوف يشهد تفاصيلها المتلقي، ليعمل مع التاجر السيلمي، الذي يقربه ويزوجه ابنته وهناك يستقر في بيت قرب سوق الصدرية، وتنجب له ابناً جميلاً، إلا أن انفجاراً كبيراً ومروعاً يحدث في هذا السوق، يفقد فيه زوجته وابنته التين يخرجونهما من تحت الانقاض أشلاءً ممزقة، الأمر الذي حدى بأسمر أن يطالب بالثأر، عندما يغادر البلاد الى الاردن يلتقي بأحد الارهابيين من الجنسية المصرية، فيقتله طلباً للثأر ويهرب الى منطقة اخرى خوفاً من المطاردة، ويصدر أمر من الحكومة العراقية بجعل أسمر الشولي أحد الارهابيين الذين ينتمون الى تنظيم القاعدة، وعلى ضوء هذا الأمر تصدر الحكومة الأردنية أمراً بإلقاء القبض عليه أينما وجد، إلا أنه يظل يتخفى في أماكن كثيرة، ومغامرات شيقة ومهمة، حيث يعمل مع احدى النساء العمانيات في دكان صغير داخل عمارة، ويتخفى بهيئة سائح أجنبي، وكذلك بصفة بدوي،  وهو يتنقل من أجل الحصول على طريق غير مشروع للعودة الى بغداد، وبمحاولات كثيرة وكبيرة وشيقة ومحتدمة ومتواترة، يدخل إلى بغداد بجنسية مزورة، فيلقى القبض عليه بعد تفاصيل اخرى فيتخلص من جنسيته المزورة ويبقى بدون أي مستند يحدد هويته، ثم يدعي الجنون ليفلت من قبضة السلطة، ومن هناك يهرب ليعيش مشرداً في الاسواق والأزقة وينام على الارصفة جائعاً، حتى تعطف عليه احدى النساء فتدخله بيتها وتحميه وتعطيه ملابس جديدة، فيبدو لها يافعاً حسن الصورة فتعيش معه في خلوة جنسية، الا أنه يعود ثانية مشرداً، حتى تصل له أخبار عن القبيلة التي آوته وكرمته وساعدته بالهرب الاول، فيذهب الى الحشد الشعبي ويخبرهم بالأمر، ويخرج مع قوة كبيرة من أبناء الحشد، وهناك تحدث مواجهة حامية الوطيس، حتى يفر العدو مذعوراً، وهنا تظهر معالم هوية أسمر الذي قاتل قتالاً يدل على وطنيته وشهامته، ويخبره قائد الحشد بأنه يعرفه وأنه عكس ما يدعون، ثم تدور معارك في آمرلي تلك المدينة التي واجهت الدواعش بصدور أبنائها، وتدور فيها معارك ينقل تفاصيلها الروائي بشكل صادق، كل هذا والنبي ماني يعيش مع أسمر لحظة بلحظة، ويخبره أنظر إلى الدواعش الذين يدعون أن تلك البنادق هي بنادق النبي، بينما هي تقتل المسلم لأخيه المسلم.

إن رواية (بنادق النبي) للروائي سالم حميد، تكشف لنا حقائق كثيرة لتساهم في الوعي الديني والخروج من الكذب والتضليل والزيف، وكذلك تقدم لنا أزمة الانسان في هذا البلد الذي يتورط بأحداث تغير انتمائه.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة