نجومية الشعر العراقي

عبد علي حسن

 توقفت ظاهرة النجم في الشعر العراقي وربما العربي أيضا عند الجواهري ، وحلّت مكانها ظاهرة نجومية الجيل ، ولعل الذي كرّس هذه الظاهرة هو جيل رواد قصيدة التفعيلة ، نازك والسياب والبياتي وبلند ، إذ ظهرت خصائص النص الشعري لهذا الجيل واحدة عند كل واحد منهم ، وهي خصائص مشتركة تشكل موقف الشاعر من النص ومما يجري في أرض الواقع ، وكذلك الموقف الموحد من دواعي التجديد والتحديث مقترناّ بالموقف من النص السابق للمشروع التحديثي باختلاف أساليبهم ، وكذلك الأمر بالنسبة للأجيال اللاحقة التي شهدت ظهور شعراء وَسموا المشهد الشعري بخصائص مشتركة جديدة استجابت إلى حد كبير للمتغير الاجتماسياسي ، وبهذا الصدد فإننا نشير إلى اختلاف اساليب شعراء الجيل الواحد في معالجة القضايا المشتركة التي شكلت رؤية الجيل كاملاً على أن هذه الأساليب تعد مساهمة شخصية لتقديم رؤية اسلوبية جمعية ، ويتبدى هنا أثر التحولات الاجتماعية والسياسية في ظهور جيل محايثٍ لتلك التحولات ومستجيباً لها ، ويمتلك القدرة على تقديم نص مغاير ومختلف من جهة ومتمكنا من التعبير عن فواعل حراك تلك التحولات من جهة أخرى، ويمكن تأشير الوعي الجمعي بالتأريخ وللمرحلة الزمنية وخصائصها المتحولة لكل جيل بدءا من جيل رواد التفعيلة ، وأرى أن علّة ذلك هو قوة المتحول الاجتماعي وإدراك الفجوة بين الشكل القديم وعدم قدرته على استيعاب فواعل المتحول مما استدعى وعيا جمعيا حتى وأن كان دونما اتفاق مسبق بين شعراء الجيل الواحد ، إلاّ أن هذا الوعي قد أوجب ضرورة الخروج على الأنساق القديمة والإتيان بأنساق جديدة مستجيبةً للمتحول ، وهناك شعراء لا تنتمي تجاربهم الشعرية لأي جيل من الأجيال أعني لا يمتلك خصيصة من خصائص نص هذا الجيل أو ذاك _ وهم الأكثرية من الشعراء العراقيين __ ، وهذا يعني غياب وعي الشاعر عن وعي الجيل المعبر والممثل للنص المحايث لزمن الجيل ، وظل نصه متشظياً وموزعا بين أساليب مختلفة أو يظل النص في اسلوبية المنطقة التي بدأ منها، وظل بعيدا عن نجومية أي جيل مرّت عليه تجربته الشعرية دون أن يسهم في تشكل رؤية الجيل الذي شهده وعاش فواعل حراك الواقع الذي أنتج ذلك الجيل. وبذلك فقد كانت تجارب هؤلاء الشعراء هامشية دون انتماء لهذا الجيل أو ذاك ، ولعل ابتعادهم عن المركز الذي احتضن التجارب الجيلية ، ونود هنا للإشارة إلى أن وضع الشعراء في خانة الأجيال العشرية لم يكن برغبة هذا الدارس أو ذاك الناقد ، وانما كان بسبب من أن التحولات الاجتماعية المهمة قد حدثت في تأريخ المجتمع العراقي موزعة على عشرات القرن الماضي ، بدءاً من ثورة تموز /1958 مرورا بالستينيات التي شهدت تغير النظام السياسي وضرب اليسار العراقي في عامي ،1963و 1968 وكذلك تعرض العرب إلى نكسة حزيران على الصعيد العربي وتنامي شعور العجز بالمواجهة وضعف الأنظمة العربية في هذه المواجهة لموالاتها وعمالتها للنظام الصهيوني والامبريالية ، واضطرابات الطلبة في باريس ونيويورك وظهور التيارات الأدبية الجديدة في أوربا وتأثر العرب بها على المستوى العالمي ، حتى إذا ما جاءت السبعينيات الذي أعاد فيه العرب بعض ماء الوجه في تشرين 1973 ، وخفوت حدة الصراع الأيديولوجي باتجاه وضع أرضية سليمة للتحالف الجبهوي بعد التقارب بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، وظهور مقدمات هيمنة المؤسسة الثقافية للحزب الحاكم في احتواء الشعراء الشباب الجدد وتجنيدهم لتبني الخطاب السياسي والأيديولوجي للحزب الحاكم ، الأمر الذي أحبط المشاريع الشعرية الجديدة للشعراء الشباب، تلك المشاريع التي أُريدَ لها تجاوز الخطاب الإبداعي الستيني ، فظلت هذه المشاريع منقوصةً وغير مؤثرة، وما أن حلّت الثمانينيات حتى دخل العراق في أتون حربٍ قوّضتِ البنية الاجتماسياسية وظهر جيل انقسم على نفسه بين مجموعةٍ تبنّت الخطاب السياسي للحزب الحاكم بتوجهٍ تعبوي ديماغوغي ومجموعة ٍ ٱثرتِ الترميز والتعمية لتمرير خطابها الشعري الخاص المضاد للحرب. وتعد تسعينيات القرن الماضي استمرارا للتحولات العاصفة بالوجود الاجتماعي العراقي ، كالحرب مع قوات التحالف العالمي المنددة لسياسة النظام البائد ، خاصة بعد دخوله للكويت وقيام الانتفاضة الشعبية التي اجهضها النظام بوحشية ، لذلك فإن تسمية جيل الحربين هي تسمية وتوصيف مناسب لجيل الثمانينيات والتسعينيات وذلك لظهور تجارب شعرية مهمة خاصة التسعينيين واشتغالاهم الجديدة على قصيدة النثر العراقية ، إذاً فقد اقترن كما ذكرنا ظهور جيل عشري جديد بالمتغير الجمعي في البنية الاجتماسياسية العراقية ، ولم تكن هذه التوصيفات برغبة خاصة، وانما كانت وليدة استجابة لمجموعة من الشعراء لتحول موضوعي تعكس – الاستجابة – رؤية جديدة تتطلع إلى محايثة المتغير بخطاب شعري متجاوز للخطاب السابق له ، ولاشك بأن الاستجابة لهذا المتحول تختلف من شاعر لآخر تبعا المرجعيات الفكرية والجمالية التي ستكون من عوامل تميز هذا الشاعر أو ذاك ضمن الجيل الواحد ، وبذلك فقد تبدّت نجومية لهذا الجيل أو ذاك بدلا من النجم الشعري الشخصي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة