سلام مكي
شاعر عراقي كبير، ساهم برفد المكتبة الأدبية والثقافية، بعدد من الدواوين والروايات والكتابات المهمة التي لازالت تشغل الوسط الأدبي والثقافي رغم مرور مدة طويلة على صدورها. وفاضل العزاوي، أحد أهم الجيل الأهم والأخطر في الشعر العراقي، الذي ساهم مع زملائه في خلق روح شعرية جديدة، استطاعت أن تهيمن على الأجيال اللاحقة، وتؤسس لخطاب شعري جديد، مقابل هدف وتفتيت للنسق الذي سبق جيله. إنه من جيل الحداثة الثانية التي استطاعت، أن تجعل الحداثة الأولى، مرحلة من المراحل التي مر بها الشعر العراقي، وأن تجعل من الحداثة الثانية، نقطة انطلاق جديدة، لمرحلة لازالت قائمة لحد اليوم. الحديث عن فاضل العزاوي، لا يمكن أن تستوعبه صفحات أو أسطر قليلة، نظرا لما أنجزه وما كتب عنه. ففاضل رغم أنه ترك الوطن، منذ وقت طويل، إلا أنه لازال يكتب ويحلم، ويعيش في غابة من الذكريات التي لازالت عالقة بذهنه وبذهن كل من عاصرهم طيلة تواجده في بلده. فاضل العزاوي، رغم أنه شارف الثمانين من العمر، وكتب مؤلفات مهمة، كانت مؤسسة لفكر لا يؤمن به العزاوي وحده، بل تؤمن به فئة كبيرة من المثقفين وغير المثقفين، ساهم بكتاباته في إيجاد معادل موضوعي لما كتب في حينه، في وقت كان صوت السلطة هو الهادر والمسيطر على مفاصل الحركة الثقافية، بعد سيطرته على مفاصل الدولة بأجمعها. وبعيدا عن المنطلقات الشخصية والبواعث الداخلية التي دعته لكتابة ” الروح الحيّة” فإن العزاوي ساهم في خلق صوت مضاد لصوت أريد له أن يكون هو السائد والوحيد في تلك الفترة. وفاضل العزاوي، نموذج للشاعر الملتزم بقضية الشعر، بعيدا عن هيمنة الأشكال والأنساق الموروثة والتي تحاول أن تجعل الشاعر عبدا لها، ومقيدا بتعاليم صاغتها عقلية من الماضي البعيد. ولعل الرسالة التي كتبها العزاوي إلى الشاعر شاكر لعيبي الذي نشرت في كتاب لعيبي ” رواد قصيدة النشر في العراق.. محاولة للتأصيل ” مثال واضح وجلي على موقف العزاوي من الشعر الجديد والقديم، إضافة إلى أنه أسكت كافة الأصوات التي تتهم شعراء الحداثة الثانية ومن جاء بعدهم بعدم معرفتهم بالأوزان القديمة وإن كتابتهم لقصيدة النثر، هو محاولة للهروب من فشلهم في كتاب الشعر الموزون. يقول العزاوي مخاطبا لعيبي: .. تعلمت الوزن في فترة مبكرة من حياتي.. ويقول : كنت مطلعا بصورة جيدة على تراث الشعر العربي القديم الذي كنت أحفظ الكثير من قصائده عن ظهر قلب، مثلما كنت متابعا للشعر الحر الذي ظهر في العراق…. لكني لاحظت الفارق بين ما تقوله القصيدة العمودية والقصيدة الحرة والقصيدة المكتوبة نثرا. فقد كان الوزن يفرض طريقة معينة في قول الأشياء، بحيث غالبا ما يقع الشاعر تحت أسر صوت الوزن الخارجي المكرر في آلاف القصائد السابقة، أما القصيدة المكتوبة نثرا او المترجمة فكانت تقوم على الصوت الشخصي وتتطلب الابتكار ولا تملك سوى إيقاعها الخاص بها والذي يخلقه الشاعر في كل مرة من جديد. هذا الرأي هو نفي قاطع بأن دافع الشعراء للتخلي عن الوزن ليس للأسباب السطحية وغير الواقعية التي ذكرها الكثير ممكن ناصب العداء للجيل الذي جاء بعد السياب ونازك والبياتي وووو.. ذلك أن الشاعر الستيني، تولدت لديه قناعة بأن الكتابة تحت سلطة الشكل والأوزان. إن تحرر الشاعر من الوزن والشكل والنمط، ضرورة للشعر، وكما قال أدونيس بأن الكتابة على طريقة الخليل في هذا الوقت بالذات، تنافي روح الشعر القائم على التلقائية والفطرية للشاعر. وهذا ما أكده العزاوي، عندما بيّن أنه يعرف الأوزان ومنذ الأيام الأولى لتجربته في الكتابة، لكنه رأى أن بقاءه تحت رحمتها لا يجعله شاعرا حقيقيا، قادرا على تقديم نص يليق به وبالشعر نفسه.