زهير الجبوري
ما اثارته الثقافة العراقية عبر عقود ، انها اسست قاعدة راكزة للحداثة التي جاءت وتأسست ونضجت منتصف القرن الماضي ، وشهد ذلك الفنون جميعها ، لأن ميدان الثقافة كان يشكل عنصرا اساسيا في تفاصيل الحياة ، وبعيدا عن جدل التفرد في لون من الوان الابداع واعني الريادة فيه كثورة الحداثة الشعرية التي جاء بها السياب ومن معه نازك الملائكة وبلند الحيدري والبياتي ، ومن ثم حسين مردان الذي كتب القصيدة النثرية واصبح رائدا لها ، فقد شهدت المرحلة التي تلت التجديد جدل النضوج الواعي ، واذا قلنا ذلك ، فان الاشارة اليه يعني مسك زمام الأمور بالخطاب العام المؤثر في الحياة الثقافية العامة في العراق ، فكان الجيل الستيني بكل ما يحمل من ملامح ناضجة وكبيرة في العمل على تقديم المشاريع الثقافية / الأدبية من خلال المؤسسة ذاتها رغم الصراع الديالكتيكي بين جميع الاطراف ، مع بروز الفكر التقدمي المتحرر آنذاك ، فالجيل الستيني هو (جيل طليعي) بحسب توصيف الاديب الكبير فاضل العزاوي ، وهو يعد من ابرز الاسماء الفاعلة فيه ، وربما لا يقرأ هذا الجيل على حدود ابداعية معينة بقدر ما يحسب له التنويعات الشاملة في فنون الابداع الادبية والفنية معاً ، فالاطلاع على الافكار الجديدة وتكريسها والعمل عليها بوصفها خطاباً سوسيو ثقافياً اعطى دلالته الايديولوجية في الواقع ، والأمر الملف للنظر ان ابوة هذا الجيل وملامحه وبصماته لا تزال حاضرة وفاعلة الى درجة معينة ، وهذا ما يؤكد التأسيس الصحيح لقاعدة متينة ، ربما هناك عوامل ساهمت في نشوء ذلك ، منها الاطلاع الكبير على الثقافات العالمية ، والتواصل الميداني لزيارة الدول المتقدمة فكريا وصناعياً ، بالإضافة الى متانة المؤسسة في توفير مستلزمات ثقافية رصينة ، كما شهد الجيل الستيني تلاقح مباشر في ثقافة التنوير عبر فنون الترجمة وفنون القراءة الاخرى ..
كانت ثقافة الجيل السيتيني من الادباء والفنانين لا تقتصر على نوعية الابداع او طريقة كتابته وادائه ، انما وجود آلية ذكية لربط ذلك مع الاخر المتلقي ، ليصبح الابداع جزءا من تكوين وجودي شامل ، وبالتالي يترك الأثر الواضح عند الاجيال التي لحقته ، وهذا ما حصل بالذات ، ولا اريد تشخيص اية مسمية اتت في تلك المرحلة حتى لا اغفل حقوق من لم يتم ذكرهم ، وانا شخصيا لم اعش تلك الفترة ، لكن اثارها ودقائقها الثقافية حاضرة عبر الشخوص اولا ، والابداع ثانيا ، وسأكتفي عن تشخيص فاضل العزاوي في كتابة (الروح الحية) واتجاهات الجيل الستيني (نقلا عن عرض للكتاب / تقديم : سماح عادل):
قسم ((فاضل العزاوي)) الجيل الى حركة الستينات الادبية ، كانت هناك ثلاثة اتجاهات :
1 ـ الاتجاه الطبيعي المتمثل لحركة الحداثة الشاملة.
2 ـ الاتجاه الشكلي ذو المنحى الادبي الصرف.
3 ـ الاتجاه التجديدي المواصل لتجربة الرواد.
نجم عن ذلك نتاجات كثير في كافة فنون الادب في الشعر والقصة والرواية والنقد ، فضلا عن تجمعات شبابية تحمل فكرا تحرريا او ذات جذور ماركسية ، وكانت جماعة كركوك واحدة من اهم المجاميع المبشرة في التجديد ..
ككل ، تبقى مسألة الاشارة الى الجيل السيتيني في العراق ، مسألة يشار لها بتقدير ثقافي كبير للأسباب التي اشارنا اليها ، وللأسماء التي غذت الاجيال اللاحقة ، ونحن نلمس كيف ان الاديب العراقي قد تتلمذ على يد الكثير من ابناء هذا الجيل وهناك من ينتج ابداعا وهو على قيد الثقافة العراقية الحية..