فلم من السينما الفلبينية التي لا نشاهد الكثير من أفلامها

«حكايات الحلاق»

كاظم مرشد السلوم

ابرز ما توفره المشاركة وحضور المهرجانات السينمائية، هو فرصة مشاهدة افلام سينمائية من دول مختلفة، دول ربما لم نشاهد لها افلام سابقا، كونها بعيدة نوعا ما عن الانتاج التجاري الذي تتميز به السينما في هوليوود وغيرها من السينمات العالمية الاخرى، التي تعمل تحت شعار « السينما صناعة وفن « وهو شعار اسهم وبشكل فاعل في تطور النتاج السينمائي العالمي.
لكن ماذا لو لم تتوفر للسينمائيين في بعض الدول فرصة لعمل افلام وفق هذا الشعار، شعار السينما صناعة وفن، تخضع لحسابات السوق ودلالة شباك التذاكر؟
المخرج الفلبيني جون روبلاز لانا يجيب عن هذا التساؤل من خلال فيلمه الجميل « حكاية الحلاق « الذي شاهدنا عرضه الأول في الشرق الاوسط ضمن فعاليان مهرجان ابو ظبي السينمائي السابع .
البساطة في كل شيء هي ما يميز الفيلم، بساطة الانتاج، بساطة الاداء وعفوية الممثلين « استعان بعدد كبير من الممثلين غير المحترفين «، حيث المكان احدى مقاطعات الفلبين الجميلة، ببنايتها المعمولة من الخشب وسعف النخيل.
تيمة الفيلم الرئيسة هي التحول الذي يحصل في الشخصية الانسانية تبعا للظرف المكاني والزماني، اذ لاوجود لشخص شجاع او جبان بالفطرة، لكن الظروف هي من تجعل من هذا الشخص شجاعا او جبانا، مقداما او مترددا، صادقا او كاذبا، امينا او لصا.
ماريلو سيدة تابعة ومقموعة،» ادت دورها براعة فائقة الممثلة يويجن دونيغو، « لا تعرف غير بعض الاصدقاء الخلص، وزوجها « الحلاق «الذي صادر شخصيتها، حتى انها تقول ان « جوزيه يفكر بالنيابة عني « هذا النكوص والقمع الذي استسلمت له، كان فقدان طفلها الوحيد قبل سنين عديدة احد اسبابه، وربما تكون الحياة الساكنة والبائسة في بلدتها الريفية ونمط الحياة الرتيب، قد ساهمت بذلك كذلك .
ماريلو كانت خادمة لخوزيه اكثر من كونها زوجة وشريكة حياة لسنين طوال.
في لحظة ما يطلب منها زوجها ان تتعلم الحلاقة لأنه غلابا ما يتأخر عن فتح محله بسبب سهراته اليومية الماجنة، والتي لا تعترض عليها ابدا، وفعلا يبدأ بتدريبها.
المخرج جون روبلاز يطلعنا على عمق الاستبداد المتسلط على ماريلو، من قبل زوجها، وكذلك عمق الاستبداد والتسلط الذي يعاني منه الجميع بسبب نظام فرديناند ماركوس، والذي سيكون سببا فيما بعد لتمرد ماريلو وانتصارها على ضعفها.
بسبب كمية الشراب والمخدر يتوفى الزوج خوسيه في ماخور البلدة، لتجد ماريلو نفسها وحيدة، بدون الزوج الذي كان يفكر مكانها حتى، ماذا ستفعل، كيف ستتدبر امرها، هل يمكن للرجال ان يقبلوا بامرأة حلاقة بدلا من خوسيه حلاق القرية الوحيد.
هنا يظهر لنا المخرج جون روبلاز التكاتف المجتمعي للناس البسطاء الذين يشتركون في المعاناة ك، فالكل يقف مع ماريلو في محنتها خصوصا اصدقائها المقربين، وتبدأ بفتح محل الحلاقة ثانية. وتستطيع الحصول على ثقة الزبائن .
البلدة الساكنة والحياة الرتيبة للناس لا يحركها سوى دخول قوات الدكتاتور ماركوس بين الحين والاخر بحثا عن الثوار، وهو امر لا تفهمه ماريلو البعيدة عن المشاكل، الهادئة التي لا تنفعل ابدا، بل تساهم كبيرا في ابداء النصح للعديد من اصدقائها وصديقاتها المقربين.
في لحظة ما يبدأ جون روبلاز، بالانتقال الى الحكاية التي ستعمل على رفع الايقاع الدرامي للفيلم، ليصل بنا الى الذروة فيما بعد، ذروة التحول الذي سيطرأ على حياة الحلاقة الرجالية، ماريلو، المرأة الطيبة، المسالمة والهادئة .
ابنها بالمعمودية والتي سبق لخالته ان ارسلته ليدرس في مانيلا ، يلجأ اليها هرابا من ملاحقة جنود ماركوس، يضعنا روبلاز هنـا امـام سـؤال مهـم، كيـف ستتعامـل امـرأة مثـل ماريلـو مـع مثـل هكـذا موضـوع خطـر، وهي المسالمة التي كان زوجها يفكر بدلا عنهـا فـي كـل تفاصيـل حياتهـا.
تتقبله وتحبئه، لكن الامر لم ينتهي عند هذا الحد، روبلاز يصنع للحكاية بعدا اخر، اذ يبعث حاكم البلدة على الحلاقة ماريلو لتحلق له شعره، بعد ان كان زوجها من يقوم بهذه المهمة، ويكرمها لإجادتها مهنتها، هناك تتعرف على زوجته الشابة الجميلة ، المستلبة ، والتي تتشابه حياتها مع حياة ماريلو السابقة .
هنا يشتغل روبلاز بطريقة المونتاج المتوازي ، العلاقـة بيـن ماريلـو وزوجة الحاكم ، وتردد ابنها بالمعمودية ورفاقه الى بيتها واتخاذه اياه وكرا لنشاطهـم.
السؤال هنا لماذا لم تخف ماريلو من هذه التطورات التي طرأت على حياتها، ومن خطورة تداعياتها ، هل هو شغف بمغامرة لم يسبق لها ان جربتها ، هل هو حنين وعاطفة الامومة التي فقدنها مبكرا لعد موت ابنها قبل سنين ، ام هو الانتصار لحشد الفقراء والمحرومين الذين تعيش وسطهم ، وتكتشف متأخرا ان هذا الحاكم التابع لحاكم مستبد اكبر هم سبب كل الحرمان الذي يعانون ؟
زيارات متكررة لزوج الحاكم، تبوح لماريلو فيها عن معاناتها، ومعرفتها بخيانة زوجها لها، والعنف الذي يسلطه عليها ، نزهة في احدى الغابات وعلى مرتفع صخري تجلس زوجة الحاكم امامها تبث لها حزناه ، وتعانقها وتقبلها بقوة ، بشكل مفاجىء تقف لتلقي بنفسها من اعلى المرتفع .
يتكتم الحاكم على الخبر ، ويجبر ماريلو على التكتم ايضا ، الجيش يداهم منزلها ، بحثا عن ابنها ورفاقه ، الابن يهرب الى ماخور القرية حيث اخت احد رفاقه تعمل هناك ، فتيات الماخور يقدمن المساعدة للثوار ، الاشارة هنا ان الجميع متحدين في تحدي الدكتاتور واحكامه العرفية .
الحاكم يطلب ماريلو ان تحلق شعره، الابن يلتحق بثوار الجبال، الجيش يفتش كل البيوت ويتعامل مع السكان بقسوة ، يد ماريلو على رقبة الحاكم تحمل شفرة الحلاقة الحادة . // قطع // .
بهكذا مونتاج يتدفق السرد الصوري ، ليدفعك ان تطالب بالمزيد، يد ماريلو المسالمة الهادئة ، المستلبة ، تمتد لتقطع شرايين رقبة الحاكم . وتنسحب بهدوء تاركته يسبح في بركة من الدم .
المشهد النهائي ، ماريلو مع الثوار في عالي الجبال تهتف للوطن والحرية وتغني للحياة .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة