توصيفات الرواية العراقية المعاصرة

عبد علي حسن

لا يخفى على المتابع للمشهد الثقافي العراقي حجم المطبوع الروائي وسعة انتشاره محليا وعربيا، وربما لفت انتباه العالم ايضا عبر ترجمة الروايات الفائزة بمسابقات البوكر وغيرها ، الأمر الذي جعل هيمنة الرواية على اهتمام المتلقي أمرا ملحوظا ، ومرد ذلك – كما نرى – هو سعة المساحة التي تتحرك فيها الرواية للتعبير عن فواعل حراك الواقع العراقي منذ نيسان 2003 ولحد الآن ، وكذلك لحجم الأحداث وجدليتها الممتدة على مساحة الواقع العراقي وشموليتها ، ورافق ذلك النشاط حركة نقدية وبحثية موازية، كما اقيمت مهرجانات ومؤتمرات تمكنت من تأشير فاعلية المشهد الروائي في مجمل الحركة الثقافية العراقية ، ومن نتائج هذا الاتساع في حركة نشر الروايات بغثها وسمينها وتعدد دور النشر، وانتشار منافذ الجلسات الثقافية لمناقشة دور الرواية العراقية في الحياة الثقافية وتصدرها المشهد الثقافي ، هو ظهور توصيفات انتشرت في البحوث والدراسات الروائية وكذلك في المناقشات ، كما في كتاب الناقد جميل الشبيبي ( جدل الهوية في الرواية العراقية الجديدة ) 2018 ، وكتاب الدكتور عقيل مهدي يوسف ( شخصية المثقف في الرواية العراقية الجديدة ) 2017 و سرديات الاحتجاج في الرواية العراقية الجديدة للدكتور كريم ناجي و ( تحولات الرواية العراقية في مرحلة ما بعد التغيير) دراسة للدكتورة هنادي هزازي نشرت في جريدة القدس العربي / 2017 ، وكذلك في العدد الخاص بالرواية العراقية لمجلة اتحاد الادباء والكتاب العراقيين ( الأديب العراقي) حيث كانت أغلب الحوارات تشير إلى توصيف الرواية العراقية الجديدة ورواية ما بعد التغيير ، بالإمكان حصرها كالآتي:  

ـــ الرواية العراقية الجديدة .  

. ــــــ رواية ما بعد التغيير 

. ــــــ الرواية العراقية الحديثة

 ـــــ الرواية العراقية المعاصرة.

. الرواية العراقية المعاصرة ـــــــ

وتجدر الاشارة الى ان عنوانات بحوث وكتب نقدية قد تضمنت هذه التوصيفات الآنفة على اختلافها، بتأشيرة سمات هذه الرواية.

  ولأجل الاتفاق على توصيف موضوعي وعلمي يأخذ بنظر الاعتبار الشعور بالمسؤولية النقدية ازاء المنجز المعاصر للرواية العراقية لتحديد سماتها التي ستكون حافزا ومعينا على مقاربة ما، فقد وجدت من المناسب مناقشة موجهات هذه التوصيفات والوقوف على اكثرها رصانة وموضوعية ودقة، كيما نتمكن من تقديم بحوث او دراسات تخص الرواية العراقية الناجزة بتوصيفها المناسب وما يترتب على هذا التوصيف من تقييم موضوعي.

ولعل توصيف (الرواية العراقية الجديدة) هو من أكثر التوصيفات شيوعا، حتى أن عددا من الروائيين راحوا يؤكدون هذا التوصيف في المقابلات والتصريحات حول الرواية العراقية، ويبشرون بظهورها لتكون مسمُى لرواياتهم. وللوقوف حول صحة إطلاق هذا التوصيف نشير إلى أن توصيف (الجديدة والحديثة) يحيل إلى التوصيف الشائع للرواية الفرنسية الجديدة التي كان من روادها ناتالي ساروت وٱلان روب غريبه وميشيل بوتور وخلود سيمون ، وقد استحقت بحق هذا التوصيف الذي يشير إلى زحزحة البنى التقليدية للرواية قبل منتصف القرن العشرين ، عبر التحولات في شكل هذه الرواية من خرق التتابع الكرونولوجي وتشظية السرد، وتهميش الشخصيات وإحلال الاشياء مكانها ، وظهور رواية الانعكاس الذاتي ، إذ كان مرد هذا التحول في أشكال السرد الروائي هو التحولات الاجتماعية وتقاطع الأشكال القديمة مع المضامين الجديدة التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية التي كان من أسبابها فشل المشروع الحداثي الأوربي وتراجع دعوات مجتمع المساواة والعدالة الاجتماعية ، وعليه فإن هذا التوصيف قد كان من نصيب الأشكال المتحولة للرواية ، أما بشأن التوصيف العراقي للرواية بكونها جديدة فقد استمد من طبيعة الواقع العراقي ومجرياته ، إذ أن التحولات الاجتماعية هو أمر حتمي وقائم ، وعادة ما يفرز منظومات قيمة جديدة تستدعي أشكالا جديدة لتستوعبها ، ولعل هذه العلاقة الجدلية كانت مدار معيارية الجدة والتحديث في مجمل التحولات الإجناسية والنوعية لمختلف الفنون والآداب منذ النشاط المعرفي الأول للإنسان ، فهناك صيرورات حتمية للأشكال تستجيب الصيرورة الاجتماعية.  وبما أن ما ظهر من روايات عراقية وحتى عربية بعد التحول البنيوي للمجتمع في 2003 ولحد الآن لم تتمكن من استحداث اشكال جديدة ، وكل ما جرى هو مواصلة استخدام الأساليب والتقنيات التي ظهرت في الرواية العراقية قبل 2003 ، وجرى الاهتمام بما حصل ويحصل دون الاهتمام بكيفية سرد الوقائع وفق منظور أو إضافة شكلية جديدة ، حتى تم استهلاك الأساليب والأشكال القديمة كالميتاسرد ورواية السير ذاتية وخرق التتابع وتداخل الأجناس وسواها من الأشكال والأساليب التي سادت في بنائية الرواية العراقية منذ ستينيات القرن الماضي ، ولعل الإشكال الذي وقع فيه دعاة توصيف الرواية العراقية الجديدة وكذلك الحديثة هو اعتماد تحول الوقائع والأحداث في الحراك الاجتماعي والسياسي الجديد معيارا لهذه ( الجدة والحداثة) وهو أمر مخالف لقوانين تشكل الأنواع والأجناس الأدبية ، فالشكل حسب لوسيان جولدمان هو ( الخبرة الاجتماعية عندما تتخذ صورة محددة ) ولأن الخبرة الاجتماعية في صيرورة دائمة ، فالشكل هو الآخر في صيرورة دائمة ويستجيب في صيرورته للتحول في الخبرة الاجتماعية.

اما توصيف( رواية ما بعد التغيير) فقد اجترحه القاص محمد خضير حين تحدث عن الرواية العراقية لمابعد 2003 ، وقد طرحه اول مرة في حوار معه أجرته مجلة ( شرفات ) العراقية عام2016 ، وقد دأب عدد من الدارسين على استخدامه في الدراسات النقدية فيما بعد ، وعلى الرغم من أن هذا التوصيف يشير إلى التحول في البنية الاجتماعية والسياسية بعد 2003 إلا أنه لا يتضمن سمات فارقة للرواية العراقية ماعدا كونه يشير إلى وجود تحولات في البنية الاجتماسياسية نتيجة للتغيير السياسي وقد عالجت الرواية مجمل الوقائع الجديدة التي أفرزتها التغيير ، ونرى بأن هذا امر بديهي وقار في النظرية الأدبية عموما ، فضلا عن صفة( التغيير) التي لا تحمل سمات مميزة عن فترات سابقة شهدت تغييرا وأخرى ستشهد أيضا تغييرا في البنية الاجتماعية ، كما أنها — الصفة — ذات مدلول عام يحمل سمات التحول الاجتماعي دون الأدبي ، لذا لا يمكن اعتماد توصيف ( رواية ما بعد التغيير) معيارا لسمات الرواية العراقية لما بعد التحول في البنية الاجتماعية العراقية ، ولم يتبق سوى توصيف الرواية العراقية المعاصرة الذي نذهب الى صوابه توصيفا لما ينجز من رواية لما بعد 2003 ، والمعاصرة على وزن مفاعلة من العصر ، والعصر يعني الدهر ، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم بهذا المعنى (والعصر أن الإنسان لفي خسر) ، ( مجمع اللغة العربية / المعجم الوسيط / القاهرة ،2004 ص 604) ، ومنه وصف الشخص معاصر ، اي أدرك أهل هذا العصر واجتمع معهم ويحيا في مشكلاتهم ويجيب عن أسئلتهم ، ويتحدث بلغتهم ، أما المعاصرة بكسر الصاد فالمقصود بها الكائنة في هذا العصر الذي نعيش فيه ( اللويحق عبد الرحمن بن معلا / الغلو في حياة المسلمين المعاصرة / بيروت 1412 هجرية ص 21.

ووفق المعنى اللغوي والاصطلاحي لمفردة العصر والمعاصرة الآنف الذكر ، يتضح لنا المدلول الوافي لمفردة المعاصرة التي أردنا لها أن تكون توصيفا للرواية التي شهدت الوقائع والأحداث التي طرأت على البنية الإجتماسياسية منذ ،2003، كما ونجده — التوصيف — مؤهلا ليحمل سماتها وظواهرها المستجيبة للحراك الاجتماعي المتحول ، فهي تجيب عن أسئلة المجموع وتتحدث بلغتهم وتحايث مشاكلهم وفق ما توفرت لها من إمكانيات تقنية شهدت تنويعات على الأساليب والآليات القارة في المشهد الروائي العراقي لمرحلة ما قبل التحول البنيوي الجديد للمجتمع العراقي، إذ من الممكن الٱشارة إلى تلك السمات بقلق الهويات وصراعها والإحتراب الديني / الطائفي والصراع السياسي ، ولعل هذه السمات تعد القاسم المشترك لقيمات الرواية العراقية المنجزة التي استجابت والمستويات مختلفة للمشكلات التي ظهرت بفعل التحولات الإجتماسياسية.

وإنها إذ نطرح وجهة نظرنا هذه آخذين بنظر الاعتبار ضرورة الاتفاق على توصيف موحد للرواية العراقية التي تمكنت ولمدة وجيزة من الاتساع الكمي والنوعي على سبيل التعبير عن مشكلات المجتمع وما تعرضت له البنية الاجتماعية من انتهاك وعلى كافة المستويات ، لذا فإننا نجد أن توصيف ( الرواية العراقية المعاصرة) هو أقرب وأكثر دقة من التوصيفات المستخدمة لحيازة هذه الرواية على صفة المعاصرة لحياة المجتمع العراقي المعاصرة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة