الترجمة في خطر

حسين نهابة

الترجمة بمفهومها الأدبي والعلمي، عملية تحويل نص من اللغة الأم الى نص مكتوب بلغة القارئ، بعيداً عن عمليات النقل الحرفية التي قد تشّوه النص خاصة اذا كان شعرياً، لأنها لا تحبس نفسها داخل قوالب تقليدية من خلال الامساك بكلمة ونقلها على نحو اعمى الى كلمة اخرى مقابلة. الترجمة اهداء احساس ومعنى كاملين لا يتجزآن الى اللغة الأخرى بما يجعل المتلقي مشدوداً اليها باعتبارها جزء من كيانه الثقافي.

واختلف علماء اللغة في وضعهم لنظريات وتفاسير الترجمة، لكن اعتقد ان أفضل نظرية لها، كانت من اللغوي الامريكي جورج ستاينر الذي أطلق عليها نظرية (ثالوث الترجمة):

  • الترجمة الحرفية: (كلمة مقابل كلمة)
  • الترجمة الحرة: (الدلالة بالدلالة)
  • الترجمة الأمينة: نقل بتصرف مع عدم الخروج عن النص.

وانا شخصياً اعتقد أن الترجمة الأمينة هي الأفضل لنقل النصوص الادبية، الشعرية منها والنثرية.

المترجم اذن مؤلف يجب ان يمتلك لغتين (لغته الأم واللغة المنقول عنها) حتى يتمكن من ادواته ويُسطر لنا روائع الآخرين، وعليه لابد ان يكون اميناً في منح (المؤلف الآخر) استحقاقه الطبيعي، حتى لا ينتكس ويُنكِّس راية الاديب الذي ينتظره في الجهة المقابلة.

لولا المترجم، ما وصلت الى ايدينا ابداعات العالم الثاني ولا المؤلفات التي هزت بعضها اركان الشوارع والمكتبات الثقافية بما تحمله من نكهات مُحرّمة وغير مُحرّمة.

وأخال أن العرب أول من برع في مجال الترجمة، إذ برزت الكثير من الاسماء التي أثرت المكتبات الثقافية آنذاك بمختلف التخصصات العلمية والادبية: عبد الله بن المقفع الذي ترجم بتصرف كتاب “كليلة ودمنة” في القرن الثامن الميلادي، عن اللغة السنسكريتية نقلاً عن مؤلفه الفيلسوف الهندي “بيدبا” الذي قدّمه هدية لملك الهند آنذاك “دبشليم“. حنين بن اسحق، وبعده ابنه اسحق بن حنين بن اسحق اللذين قاما بترجمة علوم الطب والفلك والرياضيات والموسيقى والفلسفة اليونانية. وتبعاً لذلك قام الخليفة المأمون بتأسيس دار الحكمة في بغداد وأغدق على المترجمين والكتّاب القائمين عليها. 

ومع انبلاج الثورة الالكترونية وظهور الحواسيب، تفنن البعض في ترجمة النصوص من اللغة الأم من خلال القواميس الآلية التي لم ولن تستطع ان تنقل احساس النص، ومن هنا ظهر مصطلح “خيانة النص” الذي تداوله النقاد والقرّاء كـ “رد فعل” على نشاز النص المُترجم الكترونياً.

مَن اوصل لنا قصائد “بابلو نيرودا” وروايات “ماركيز” ومسرحيات “لوركا”؟ ومَن زرع فينا عنصر التشويق في انتظار المزيد من كتب هؤلاء المبدعين؟

انه المترجم الحاذق الأمين الذي يحافظ على سمعته الانسانية والأدبية، ولا يخشى في الآخرين لومة لائم. 

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة