هل كانت “بوكر العربية” مُنصفة هذا العام؟

مر فوز رواية “الديوان الإسبرطي” للكاتب الجزائري عبد الوهاب عيساوي، بالدورة الثالثة عشرة من الجائزة العالمية للرواية العربية 2020، من دون ضجيج، ومن دون تعليقات صاخبة في “فايسبوك”، ومن دون اتهامات، وجرى اختيارها من بين ست روايات في القائمة القصيرة لكتّاب من الجزائر وسوريا والعراق ولبنان ومصر. كتّاب القائمة القصيرة، هم سعيد خطيبي، وجبور الدويهي، وخليل الرز، ويوسف زيدان، وعبد الوهاب عيساوي وعالية ممدوح.
وجرى الاعلان عن الفائز بعد تأخر بسبب كورونا، وكانت القائمة الطويلة شهدت موجة انتقادات وردت في صفحة أحد الكتّاب الجزائريين من باب الغيرة من مواطنيه المرشحين، الى جانب اتهامات من أحد الناشرين السوريين مفادها أن لجنة التحكيم في “بوكر” تختار الروائيين تبعاً للهوية وليس النص… وكان كثيرون ينتظرون أن تكون الجائزة للشاعر والكاتب السوري الكردي سليم بركات، لكنه وصل الى القائمة الطويلة فقط، وإبعاده من القائمة القصيرة اغضب جمهوره…

وفوز عيساوي حظي برضا مواطنيه، وهو يبدو محظوظاً بالجوائز، وسبق أن فاز بجائزة كتارا وجائزة سعاد الصباح وجائزة أسيا جبار… وقال محسن الموسوي، رئيس لجنة تحكيم بوكر، “تتميز رواية الديوان الإسبرطي بجودة أسلوبية عالية وتعددية صوتية تتيح للقارئ أن يتمعن في تاريخ احتلال الجزائر روائياً ومن خلاله تاريخ صراعات منطقة المتوسط كاملة، كل ذلك برؤى متقاطعة ومصالح متباينة تجسدها الشخصيات الروائية، إن الرواية دعوة القارئ إلى فهم ملابسات الاحتلال وكيف تتشكل المقاومة بأشكال مختلفة ومتنامية لمواجهته. هذه الرواية بنظامها السردي التاريخي العميق لا تسكن الماضي بل تجعل القارئ يطل على الراهن القائم ويسائله”.
وترصد “الديوان الإسبرطي” حيوات خمس شخصيات تتشابك في فضاء زمني ما بين العام 1815 إلى 1833، في مدينة المحروسة، الجزائر. أولها الصحافي ديبون الذي جاء في ركاب الحملة على الجزائر كمراسل صحافي، وكافيار الذي كان جندياً في جيش نابليون ليجد نفسه أسيراً في الجزائر، ثم مخططاً للحملة. ثلاث شخصيات جزائرية تتباين مواقفها من الوجود العثماني في الجزائر، كما تختلف في طريقة التعامل مع الفرنسيين. يميل ابن ميار إلى السياسة كوسيلة لبناء العلاقات مع بني عثمان، وحتى الفرنسيين، بينما لحمّة السلّاوي وجهة نظر أخرى، الثورة هي الوسيلة الوحيدة للتغيير. أما الشخصية الخامسة فهي دوجة، المعلقة بين كل هؤلاء، تنظر إلى تحولات المحروسة، لكنها لا تستطيع إلا أن تكون جزءاً منها، مرغمة لأنه من يعيش في المحروسة ليس عليه إلاّ أن يسير وفق شروطها أو عليه الرحيل.

والسؤال هل كانت “بوكر” مُنصفة هذا العام؟ كتب الروائي العراقي سلام ابراهيم في “فايسبوك”: “أتممت قراءة روايات القائمة القصيرة الست، رواية “الديوان الاسبرطي” لعبد الوهاب عيساوي تمتعت بها جداً، فهي رواية غنية مبنية بحذق ودقة تشتغل على ثيم إنسانية عميقة وتكشف حقبة تاريخية غامضة ومهملة لتأسس عالمها الساحر. تليها رواية “الحي الروسي” لخليل الرز الذي صور الوضع البشري في ظروف الحرب الأهلية السورية، من خلال حي مجاور للعاصمة السورية دمشق متينة البنية شجنة في تعاطفها الإنساني مع شخوصها ملاحظتي عنها؛ مدخلها ممل ورمز الزرافة في المدخل والرواية لم يتسق مع بنية النص فأثقل عليها.
تليها رواية الجزائري سعيد الخطيبي “حطب سراييفو” وهي رواية تصور الأثار المدمرة للحروب الأهلية في تسعينات القرن الماضي في كل من الجزائر والبوسنة من خلال تتبع حياة شخصيتين الأولى صحفي جزائري مهدد من القوى الإسلامية والثانية عن كاتبة مسرح بوسنية تحلم بحياة أفضل في وطن بديل مثلما يحلم الصحافي، ويلتقيان في سلوفينيا في مقهى لعم الجزائري المهاجر، دون ان يطور الكاتب العلاقة بينهما فظلت محصورة بالأحلام والرغبات وبعد سلسلة من الأحداث الدرامية يعودان كل إلى بلده. وبالرغم من تصوير الرواية للمأزق البشري لمن يعيش في بلدان الحروب المضطربة ومأزق المنفى، لكن بنية الرواية مشطورة بين مناخين بوسني وجزائري لم يلتحما بالنص فهللا البنية.
أما رواية “فردقان” ليوسف زيدان فهي عن حياة العالم الإسلامي الشهير ابن سينا، والرواية ضعيفة لم تضف شيئاً فبدت كسرد أخباري من السرود العربية القديمة فهي قدمت معلومات معروفة عن سيرة ابن سينا في إطار استعار من قصص ألف وليلة كل شيء، رواية مملة تركيب جملها جاهزة.

أما رواية جبور الدويهي “ملك الهند”، فهي رواية تقليدية خبرية عن سيرة حياة منفي لبناني، يتورط في حياة الليل والتهريب فيعود إلى قريته محبطاً ليموت في ظروف غامضة تحت شجرة خارج البلدة. سيرة عائلة لبنانية قروية تهاجر الجدة البعيدة إلى أميركا لتعود وتبني البيت وتشتري البساتين ثم يتتبع حياة الأولاد والأحفاد لأربعة اجيال يقدمها بشكل ملخص، وكأننا نقرأ ملخصًا لعمل روائي لا رواية، فجاءت البنية مجهضة لا تأثير للشخصيات من حيث بنيتها الداخلية وعالمها، فاقتصرت على توصيف الحركة والفعل وكذلك كان رسم المكان باهتاً. وأخيراً، رواية الصديقة الروائية عالية ممدوح، “التانكي”، ضعيفة البناء مفككة، موضوعها مشتت متشظٍّ واللغة مصنوعة التراكيب عسيرة القراءة والمتابعة أكملتها بعناء، بالعكس من رواياتها القوية السابقة..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة