قصة “الأجيال الشعرية” في العراق

عبد علي حسن

 لايزال الجدل دائرا في الاوساط الثقافية العراقية حول ظاهرة ( التجييل العشري) في الشعر العراقي الحديث ، وكان آخر مفصل من هذا الجدل هو مقال الصديق الدكتور أحمد الزبيدي ( أفقية الشعر وعمودية النقد) 28/ مارس الفائت ، الذي تهيكل حول خطل الدراسات النقدية والأكاديمية في جامعات الوطن المكرسة لهذه الظاهرة التي لازمت الدراسات النقدية والرسائل والأطاريح الجامعية للوقوف على الظواهر الشعرية التي انتجتها الأجيال المتعاقبة ، ولأجل معرفة الغائية / العلة وراء وجود هذه الظاهرة فقد آثرت الكتابة بشمل مكثف ومباشر حولها لبيان مسببات ظهور الأجيال كل عشر سنين ، ليوصف الجيل بالعام الذي يظهر فيه بدءا من جيل الاربعينات (جيل الرواد) وحتى الوقت الحاضر ، دون الامتداد باتجاه المقتبسات والآراء التي مع او ضد هذه المسميات.

بدأت قصة الاجيال الأدبية في العراق في أواسط اربعينيات القرن الماضي ، وتحديدا منذ ظهور جيل رواد قصيدة التفعيلة نازك والسياب وبلند والبياتي ، وبظهور هذا الجيل في الساحة الأدبية فقد توقفت ظاهرة الشاعر النجم عند الجواهري ، لتبدأ ظاهرة شعراء الأجيال الشعرية منذ خمسينيات القرن الماضي ولحد الآن. اذ أن ظهور هذا الجيل قد ارتبط بحركة جمعية هدفت الى تحقيق حداثة الشعر العربي بخروجها من رحم الشكل القديم “نظام الشطرين” ، ومحاولات رواد هذه الحركة تسويغ الظهور الجمعي لحركة استجابت للمتغير الاجتماعي وهو الوضع الاجتماعي لما بعد الحرب العالمية الثانية والشعور بضرورة تخليق شكل يتناسب ويعبر عن الوجدان والتحول الجديد في شخصية الفرد العراقي. وعلى الرغم من اختلاف اساليب الرواد الأربعة فيما بينهم، الا أنهم كانوا تحت طائلة ظروف اجتماسياسية واحدة ، وقد أسهمت بنائية القصيدة الجديدة وخصائصها في توحيد الاستجابة للمتغير الاجتماعي العراقي بعد الحرب ، وقد أشارت نازك في كتابها المهم (قضايا الشعر المعاصر) 1967وبلند الحيدري في كتابه (مدخل الى الشعر العراقي الحديث) 1987، الى وضع المسوغات والمسببات الجمعية لظهور قصيدة التفعيلة كشكل يتماهى ويستجيب للمضامين الاجتماعية الجديدة ، ولنفس الاسباب فقد كان ظهور الأجيال اللاحقة اي الجيل الستيني والسبعيني و..و..و..حتى نهاية الألفية الثانية. وسأدخل الى منطقة النقاش من زاوية القانون الجدلي / الديالكتيكي ، وهو قانون وحدة وصراع الأضداد ، وكذلك منطقة التحولات في البنية الاجتماعية العراقية التي حصلت كل عشرة اعوام ، ففي العقد الخمسيني حصلت ثورة تموز /1958 وأمتد تأثير هذا التحول حتى 1963 حيث شهد المجتمع العراقي جملة من الأحداث الكبيرة والفاعلة محليا وعربيا وعالميا ، فبالإضافة الى ضرب اليسار العراقي في 1963 ونكسة العرب في حرب 1967 واضراب الطلبة في فرنسا وأمريكا وظهور مقدمات مرحلة ما بعد الحداثة ، مما جعل هذا الجيل من أهم الاجيال الأدبية العراقية ، فقد كان خطابه تحديثيا متقدما نتج عنه ظهور جيل شعري خلخل البنية الشعرية لجيل الرواد عبر الأشكال الجديدة المستوعبة لطبيعة التحولات في البنية الاجتماسياسية العراقية. كما شكلت جماعة كركوك التي ضمت أهم التجارب في قصيدة النثر كتجربة سركون بولص وصلاح فائق وفاضل العزاوي وجان دمو. وهكذا استجابت الاشكال الجديدة اللاحقة في عقد السبعينات ثم ظهور جيل الحربين في الثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ، نستنتج من هذا العرض السريع أن حصول التحولات الاجتماعية في كل عقد من العقود ينتج عنه ظهور مضامين جديدة لم تستوعبها الأشكال القديمة فتنتج شكلها المناسب فتدخل هذه المضامين والأشكال في وحدة مؤقتة حالما يتم تفكيكها حال ظهور متحول جديد لتدخل المضامين الجديدة في صراع مع الاشكال القديمة لتنتج وحدة جديدة عبر انتاج اشكال جديدة. وهكذا ظهرت الأجيال عبر خصائص شكلية جمعية فاقتربت المواضيع واختلفت الاساليب ، وتلك علة او غائية ظهور الأجيال الشعرية العشرية. واعتقد ان هنالك أكثر من مسوغ لدراسة الشعر العراقي عبر دراسة الخصائص الجمعية لشعرية الجيل المدروس. . آمل ان يكون هذا العرض المكثف مدعاة للحوار والنقاش ، سيما وقد تركت عددا من الفراغات من الممكن ملؤها عبر القراءة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة