شيء عن كورونا .. لماذا يحدث ذلك في بلادنا؟

فوزي عبد الرحيم السعداوي

نراقب باسف رد فعل العوام على الخطر الذي يمثله فيروس كورونا على الناس وعدم التزامهم بضوابط وتعليمات وزارة الصحة وغيرها من الجهات الرسمية وقيامهم بالتحرك بمواكب ضخمة مايعرضهم لخطر الفيروس في بلد مؤسساته الصحية متهالكة ولا يمتلك القدرات لمواجهة هذا الفيروس لو انتشر حسب تصريحات رسمية لوزير الصحة… ان مايحدث في بلادنا خطير وهو يكشف حجم التخلف وتراجع الوعي لشعب كان يوما مشهورا بالقراءة …بل ان ذلك يفسر كيف أشخاص لايمتلكون أي مؤهل يتحكمون بمصير البلد وبالساحة السياسية…هذا البلد الذي قدم للعالم سياسيين مثل سلام عادل ومحمد حديد واكاديميين مثل علي الوردي وطه باقر وشعراء كالجواهري ..هذا البلد الذي كان شغله الشاغل العمل السياسي يتحول الى رعاع بهذا الشكل المهين… لقد رضينا مضطرين صاغرين بدور وتأثير رجال الدين على العوام، والآن جاء دورهم ليمارسوا فضيلة التأثير الايجابي ومنع جمهورهم من الانتحار، فلماذا هم صامتون؟ ببساطة لقد استثمر رجال الدين في الجهل وهم يخشون ان لايطيعهم جمهورهم فيخسرون استثمارهم… تطرح الازمات التي يمر بها العراق والتي تنتهي بانتشار مرض كورونا وتراجع اسعار النفط موضوعا يتعلق بالجهات التي يجب اللجوء اليها لغرض المعرفة والاطلاع حيث نجد ان الفضائيات تحفل باشخاص يتعاطون مع هذه الازمات ويقدمون خلاصات وحلول من دون ان يكونوا من أصحاب الاختصاص ..واذا كنا نفهم وتعودنا على تصدي كل من هب ودب للشأن السياسي لان هذا الشأن عام ومتاح برغم ان لنا رأيا آخر في ذلك لكن ذلك يمكن احتماله ففي النهاية أي جاهل يتحدث في السياسة من موقع حزبي أو تنفيذي يبقى يمثل رأيه وفكرته ومصلحته…لكن استسهال الحديث في شأن خطير وعلمي كالازمة الاقتصادية العالمية وعلاقتها بكورونا وتأثيرها على الاقتصاد العراقي بما يهدد مصالح غالبية العراقيين أمر ليس فقط غير مقبول لكنه مضر فلا المركز التنفيذي ولا عضوية البرلمان او الانتماء الحزبي مؤهل للخوض في هكذا مواضيع لها خبراؤها والمختصون بها … منذ أيام كنت اشاهد لقاء مع وزير المالية فؤاد حسين والذي لدي صورة سلبية عن كفاءته لكني تفاجأت بادائه واجوبته التي تنم عن فهم وادراك لموقعه وكامل المشهد السياسي، في الوقت ذاته شاهدت ضمن احد البرامج (خبيرا اقتصاديا) شبه أمي يتحدث عن أزمة انهيار اسعار النفط.. ان ظاهرة القفز على الاختصاص هي نتاج العقل الحزبي الضيق الذي برغم ذلك قدم الكثير من الكفاءات في زمن البعث الا انه خلق موقع المسؤول من دون كفاءة سوى الولاء وهو ماكان له انعكاسات سلبية لاحقا على النظام نفسه.. لكن ذلك تم تكريسه بالكامل بعد ٢٠٠٣ حيث لم يعد للاختصاص اي معنى لمصلحة الموقع الحزبي أو السياسي وهذا يجري في اطار الهجوم المستمر على العلم واصحابه والتي ادت الى ابعاد اصحاب الاختصاصات عن مجالهم سواء بالنفي الطوعي او الركون جانبا ليخلو المكان للافاقين والادعياء.. في الماضي غير البعيد لم يكن متصورا توفير اي منبر اعلامي لمدعي او جاهل سيما بوجود اهل العلم والاختصاص وحتى لو حدث ذلك فانه مستهجن من الجمهور الذي كان يتوفر على صفات لم تعد موجودة… انها حقبة مظلمة يمر بها مجتمعنا الجزء السياسي هو البارز فيها لكن للاسف هي تحكم اعماق حياتنا ولا حل لذلك الا بتغييرات اجتماعية وثقافية واقتصادية يتصدرها تغيير سياسي جذري ..

التأثيرات السياسية لوباء كورونا على العالم

مازال المآل النهائي للأزمة العالمية الناجمة عن فيروس كورونا غير معروف، لكن المؤشرات تنبئ بتصعيد كبير في انتشار المرض خصوصاً في بعض الدول الأوروبية وإيران مع احتمال دخول دول أخرى على خط التصعيد وفي كل الاحوال فأن ما جرى لحد الآن يكفي لتكوين تصور عن تأثيرات سياسية محتملة على أنظمة الحكم في العالم وعلى العلاقات الدولية وعلى النظام الدولي برغم ان هذه التأثيرات سوف تتأثر بمدى حدة انتشار الفيروس وطبيعة الدول التي ستعاني من تصاعده… ان أول تاثير سياسي متوقع لفيروس كورونا سيتمثل بسقوط عدة حكومات خاصة في الدول الاوروبية وبرغم ان ذلك سيتم ضمن السياقات الديمقراطية فان ارتباكات وعقبات ستواجه العملية الديمقراطية وهو أمر سيعتمد على مدى الضرر من الفيروس ومدى تقصير الحكومة في التعامل مع أزمة كورونا.. قد يصل الأمر للتمرد على بعض الآليات الديمقراطية أو تغيير بعضها…التأثير الآخر المتوقع سيكون في ضغط الجمهور لتغيير أولويات الدولة باهتمام أكبر بموضوع الصحة والمؤسسات والنظام الصحي وعلى حساب ملف الدفاع والتسلح وهو أمر سيعني لبعض الدول تغييراً كبيراً في استراتيجياتها..ستتأثر العلاقات الدولية كثيراً بتطورات كورونا فقد أظهر المرض قدراً قليلاً من التضامن فبلد مثل إيطاليا تُرك يواجه مصيراً قاسياً من دون دعم حتى من الاتحاد الأوروبي الذي أظن ان تغييرات ستطرأ على هيكليته..لقد أظهرت الأنظمة الرأسمالية في أزمة كورونا هشاشة وعدم قدرة في مواجهة التحديات غير المتوقعة ما قد يفرض تغييرات هيكلية لبعضها يسبقها صعود تيارات سياسية جديدة بتوجهات قريبة من الاشتراكية وتراجع الأحزاب التقليدية والحاكمة… لقد كان تعامل الصين مع كورونا مثار اعجاب العالم ليس فقط للتقنيات التي استعملتها والنظام والانضباط الذي أبدته الدولة والشعب الصيني ولكل للنظام السياسي الصيني الذي أثبت حيويته وانسجامه مع متطلبات شعبه ومرونته واستعداده لمواجهة كل أنواع التحديات…ستظهر الصين وبقوة دولة عظمة بدور سياسي واقتصادي عالمي وهو أمر سيكون على حساب الولايات المتحدة التي مازال أمامها اختبار صعب مع كورونا تترتب عليه أمور كثيرة داخلية ودولية.. ان تراجع دور الولايات المتحدة السياسي خاصة والاقتصادي عالمياً شأنها شأن الأنظمة الرأسمالية التي لم تنجح في التعاطي مع أزمة كورونا وصعود الصين والتغييرات المتوقعة في الانظمة السياسية الأوروبية خاصة سوف يعني بالضرورة نهاية النظام العالمي مايفتح الباب لنظام عالمي جديد… لقد أظهرت أزمة كورونا الاستخدام السياسي للدواء وصناعته وتأثير سياسات الدول الرأسمالية على الطب وتلاعبها فيه اذ تحكمت دائما عقلية الربح الرأسمالية في صناعة الادوية وليس بناء على احتياجات المجتمع ما كان يؤدي الى حجب ادوية مطلوبة لاغراض تجارية الى غير ذلك من الممارسات غير الاخلاقية اضافة الى ان الطب بشكل عام يعاني من قلة الاستثمارات فيه مما يجعله من العلوم غير المواكبة للتطور وحاجات المجتمع…لذلك فانه قد يكون من التأثيرات المتوقعة تغيير السياسات التي تتحكم بصناعة الادوية واولوياتها وكذلك زيادة الاستثمارات في مجال البحوث الطبية وتوجيهها وجهه مختلفة باتجاه يراعي الاعتبارات الانسانية… لحدوث التغييرات اعلاه لايمكن تصور ان تنجزها انظمة بالعقلية والعقيدة نفسها لذلك نحن نفترض تغييرات جوهرية في العديد من الانظمة السياسية الامر الذي نتوقع ان لايحصل بيسر وسهولة وقد يحتاج وقتا طويلا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة