كورونا لبنان: الفايروس متاهة الرئيس الأخيرة

حازم الأمين *

إنها المرحلة الكورونية من الانهيار اللبناني. وتوظيف «كورونا» في سياق هذا الانهيار جارٍ على قدم وساق، لا بل أن هذا الوباء المعولم، ضمّنا إلى غيرنا من المجتمعات المنكوبة، بعد أن كنا لوحدنا في هذا المنحدر.
لم يكن ما حصل على «otv» في اليومين الفائتين، لجهة إصرار محطة رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون التلفزيونية على إدخال «تربة مار شربل» إلى المستشفى الحكومي، حماقة مراسلٍ أو نزوة محطة! و»otv» إذ نجحت في هذه المهمة، كانت كرست لها شاشتها ومنابر التواصل الاجتماعي ليومين متواصلين، وبذلت خلالها رصيدها الزهيد المتبقي لها في وعي مشاهديها القليلين، ولم تكترث لذهولنا كلنا جراء فعلتها. فنحن لسنا من يطمح الرئيس وتياره وتلفزيونه إلى مخاطبتهم بفعلته، كما أن عقول اللبنانيين التي أهينت جراء تعريضها لمشاهد انقضى زمنها منذ قرون، ليست محل ابتلاء التيار ورئيسه، الذي هو رئيسنا للأسف.
لكن لنستعِد موقع «التيار الوطني الحر» في المشهد اللبناني الراهن. إنه التيار الذي انهار لبنان بين يديه، وهو التيار الذي يشعر بأن الثورة التي شهدها لبنان في الأشهر الأخيرة استهدفته قبل غيره من القوى السياسية والمذهبية، وهي أحدثت انشقاقات امتدت من شارعه وصولاً إلى العائلة التي تتصدر التيار وتقوده. وواقعة مثل واقعة تربة مار شربل، قد تكون أحد حبال النجاة. خسر التيار المواطنين وقرر أن يستعيدهم كمؤمنين! من يجرؤ على مواجهته بخرافة من نوع تربة مار شربل؟ منافسته الرئيسة، أي «القوات اللبنانية»، لن تنبس ببنت شفة في معركة كهذه، ذاك أن مار شربل عزيز على قلبها أيضاً، و»حزب الكتائب» لن يجرؤ على مواجهة التيار في قضية استخفافه المفضوح بعقول اللبنانيين. المنتفضون على السلطة وعلى تيارها في الشارع المسيحي لم يشعروا بأن هذه المعركة معركتهم في سياق المواجهة التي يخوضونها مع التيار. إنها اللحظة المناسبة إذاً لالتقاط بعض الأنفاس، واحترام العقول ليس جزءاً من هموم أحزاب المذاهب اللبنانية.
إنها المرحلة الكورونية من الانهيار اللبناني. وتوظيف «كورونا» في سياق هذا الانهيار جارٍ على قدم وساق، لا بل أن هذا الوباء المعولم، ضمّنا إلى غيرنا من المجتمعات المنكوبة، بعد أن كنا لوحدنا في هذا المنحدر. وما لا شك فيه هو أن الطبقة السياسية اللبنانية المسؤولة عن هذه النكبة، تشعر اليوم بقدر من الارتياح بفعل تفشي الفايروس، وهي حين أعلنت لنا أن لبنان انتقل من مرحلة الاحتواء إلى مرحلة الانتشار، عبرت عن ذلك بقدر من الحبور، والوزير حين أعلنها كان كمن يبشرنا بها. انتقلت المعركة من الشارع إلى تربة مار شربل، هل من خشبة خلاص أخرى؟ لبنان دولة مفلسة وفاشلة ومنهوبة ومرتهنة، لكن الأهم من هذا كله، أنه دولة موبوءة، والمرتبة الأخيرة تسبق غيرها من المرتبات، لا بل ربما تطيحها، فمن منا سيهتم بسعر الدولار إذا ما كان الفايروس على باب منزله؟
علينا والحال هذه أن نضاعف الارتياب بأهل السلطة، فمن سطا على مدخراتنا يمكن له أن يستقدم الفايروس ليعطل قدرتنا على مواجهته. السرقة المعلنة التي تعرضنا لها، ترشحنا إلى هذا النوع من الشكوك. المصارف أيضاً مستفيدة من الفايروس، ذاك أن الناس كفو عن الاكتظاظ على أبوابها. المصارف ليست قوى سياسية يمكن لنا أن نطالبها باحترام عقولنا. يمكنها أن تحضر الفايروس من دون أن يرف لها جفن، ومن دون أن تشعر بمسؤولية حيالنا. علينا أن نواجه خرافة تربة مار شربل بخرافاتنا الخاصة. العونيون سيربحون معركة مار شربل طالما أنهم يخاطبون المؤمنين، وعلينا بدورنا أن نواجههم بخرافاتنا التي لا تجرح العقل على نحو ما تجرحه خرافاتهم. الفايروس معهم في المعركة، وهم نجحوا في وضعنا في مواجهة مار شربل، لا بل أنهم أدخلوا تراباً إلى المستشفى بوصفه علاجاً لكورونا. انتصروا على العلم وعلى سنوات أمضاها الأطباء وهم يدرسون في الجامعات.
وجه السلطة الموازي والذي يفوق وجهها الحقيقي قباحة، سرعان ما استجاب لنداء تربة مار شربل ووظف تلفزيوناً ثانياً في معركته، فانبرى نجم الـ»نيو تي في»، وهو التلفزيون الذي يمثل الرصيد الاحتياطي الذي لطالما وظفته المصارف معركتها مع المودعين، لحمل بيدق القديس في مواجهة الملحدين، وتحول «تلفزيون الثورة» إلى منبر مهزلة تسابق مهزلة شاشة الرئيس وتسابقها في ماراتون القديسين.
المصارف أيضاً مستفيدة من الفايروس، ذاك أن الناس كفو عن الاكتظاظ على أبوابها.
ما حصل في الأمس في لبنان، حين أدخلت «otv» تراب مار شربل إلى المستشفى الحكومي ليس تفصيلاً عابراً. المحطة التلفزيونية العائدة لرئيس الجمهورية أدخلت تراباً إلى المستشفى الحكومي بوصفه علاجاً لمرضى كورونا. حصل ذلك في ظل انهيار مالي هائل، وفي ظل تهيؤ العالم لإعلان لبنان دولة مفلسة وفاشلة. فمن تسبب بالفشل؟ ومن أقدم على السطو؟ ومن سهّل دخول الفايروس؟

  • عن موقع درج

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة