جرجيس كوليزادة
تتعرض البنية الاخلاقية للمجتمع الكردي في اقليم كردستان الى مخاطر عديدة في واقعنا الراهن ومنذ عقود وسنوات ماضية، وبدأت وقائعها ومظاهرها مع بداية استيلاء الاحزاب على السلطة وخاصة الحزبين الحاكمين لمسعود البرزاني وجلال طالباني، حيث تم فرض سلطة فاسدة مارقة اتسمت بسلوكيات لاوطنية للحكام والرؤساء والوزراء والمسؤولين الحكوميين والحزبيين، وتميزت بممارسات وسلوكيات متصفة باللاشرعية والاستعلاء الفوقي وسحق القانون وضرب الاخلاق بشتى الاساليب وخاصة من قبل رؤساء الاحزاب وافراد العوائل التي تمسكت بزمام الحكم وسيطرت على مفاصل الحياة الاقتصادية والتجارية في حياة المواطنين.
ومع الاحتلال الحزبي لنظام حكم الاقليم واجهزته المدنية والعسكرية، بدأ الفساد الرهيب بالتفشي داخل الحكومة ووفي مفاصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والعسكرية، والمتاجرة الفاسدة الفاحشة بالبضائع والسلع والمواد المستوردة في الاسواق، ومن قبل اغلب الحكام والمسؤولين للحزبين الحاكمين والتجار والمقاولين ومالكي الشركات واصحاب رؤوس اموال السحت الحرام بالاقليم، وترافقت التجارة والحركة الاقتصادية بفرض الاحتكار والاستغلال بالقوة والنفوذ على كل الاسواق، وذلك توازيا مع سياسة الحزبين الحاكمين بالنهب والسرقة والفرهدة للموارد والثروات والاموال العامة، والاستيلاء على اراضي وعقارات وممتلكات عامة بالقوة وفرض النفوذ السياسي والعائلي، كل ذلك وغيرها من المظاهر الجشعة والسلوكيات والممارسات المرتبطة بالرأسمالية المتوحشة المتسمة باللااخلاقية المطلقة التي نخرت ومازالت تنخر بنيان الكيان الكردي منذ اكثر من عقدين ونصف من الزمن الفاحش.
والطامة الكبرى ان المظاهر ووقائع الممارسات اللاشرعية المتسمة بالجشع الرهيب التى تمارسها المافيات والعصابات العائدة للحزبين الحاكمين والعائلتين الحاكمتين البرزاني والطالباني بالاقليم، دخلت بتماس مباشر مع مفاصل حياة المواطنين، فمحت وازالت أغلب السلوكيات الانسانية الجميلة النبيلة التي كانت متجمعة تحت خيمة منظومة الاخلاقيات الكردية المتوارثة من اجيال بعيدة الى اجيال الامس وبعض اجيال اليوم عبر احقاب وقرون وعقود ماضية، مثل النزاهة والاخلاص والمصداقية والثقة بالتجارة والتعاملات والمبادلات والقناعة وتحاشي الحرام والتمسك بالحلال والتقيد بجميع القيم والمباديء الانسانية والدينية والاجتماعية، وغيرها من الصفات الاخلاقية المميزة للانسان الكردي، ولكن السلطات الحاكمة من الحزبين الحاكمين وبفعل نواياها وغاياتها الشيطانية وانانيتها الحزبية والشخصية والعائلية ونفسيتها الامارة بالسوء الدائم، اخفت وسحقت اغلب النماذج والقيم النبيلة الراقية من مكونات المجتمع الكردي في الواقع الراهن.
والمشكلة فان المجموعة الحاكمة الجائرة لم تكتف بنهب وسرقة وفرهدة الثروات والاموال والموارد والممتلكات العائدة للشعب وللمال العام، بل لجأت دائما الى خلق أزمات سياسية وعسكرية وحياتية ومعيشية خانقة لسحق كرامة المواطنين، وترافق ذلك دائما بفرض اجواء وبيئات فاسدة وفاحشة وذلك من خلال المتاجرة والتعامل بكل ما هو لاشرعي في الحياة السياسية والاقتصادية والتجارية، واحداث العقدين والسنوات الماضية اثبتت ان سجل الحزبين الحاكمين للبرزاني والطالباني مفعمة باللاوطنيات واللاشرعيات واللااخلاقيات والاعمال الفاحشة، ولا تحتاج الى ادلة وبراهين في افعالهم واعمالهم المتصفة بالقرصنة والفرهدة، واخر خبر عن مساويء الاخلاق للحكام الفاسدين هو اتلاف اكثر من مليون ونصف مليون طن من السلع والمواد الغذائية والطبية والعقاقير المستوردة للاقليم السنة الماضية، وان كان الرقم الوارد اعلاه مكشوفا للاعلام فكيف بالارقام المخفية غير المعلنة للمسؤولين والتجار الفاسدين، ويبدو ان الهدف من كل ذلك هو تدميرالانسان الكردي صحيا وجسديا واجتماعيا وتحقيق ارباح ومنافع مالية عالية وفاحشة باي طريقة كانت، واخر ما قدمه الحزبان الحاكمان والحكومة المارقة من سيناريو جديد لتعكير حياة المواطنين هو خلق ازمة للغاز السائل بين ليلة وضحاها، وفي ظل صمت تام لرجال الكبار الفاسدين بالسلطة من مسعود البرزاني وابنه رئيس الوزراء وابن عم الاخير رئيس الاقليم وابناء الطلباني، وسكوت رؤساء الاحزاب ومجاملة الكتل النيابية بالبرلمان، وكأن الازمة متفق عليها بين الحكام الفاسدين والسياسيين المارقين بالاقليم لاشغال كرد العراق بها.
لهذا وبسبب المظاهر المدانة المذكورة اعلاه، وبغية مجابهة واقع حكم الاقليم المتشبع بالفساد المادي والخراب والتدمير المعنوي لنفوس وعقول افراد مكونات المجتمع الكردي، والمتسم بالابتعاد عن منظومة الاخلاقياته الكردية، وذلك نتيجة تعسف وفساد وظلم وجبروت السلطة، حتى باتت الازمات التي تلحق بشعبنا الكردي مسألة روتينية لدى الحزبين الحاكمين الفاسدين المارقين.
ومن باب الضرورة الوطنية لحماية المنظومة الانسانية والاجتماعية للمجتمع الكردي، نرتأي الدعوة الى مشروع اخلاقي مدني لوقف الانهيار المعنوي للمكونات الاخلاقية المجتمعية، وذلك من خلال الطلب من السيد رئيس الاقليم السابق مسعود البرزاني النزول الى الشارع الكردي والخروج من البرج العالي الذي وضع نفسه فيه للفصل بينه وبين المواطن والابتعاد عن الشعب، وذلك برفقة رؤساء الاتحاد الوطني والتغيير والاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية، للقاء بالمواطنين بتماس وحديث مباشر بالشارع في اربيل والسليمانية ودهوك، وذلك بدواعي التعرف المباشر على القضايا والازمات والمشاكل والمآسي والهموم التي يعاني منها المواطنون في حياتهم المعيشية والحياتية، وعلى ان ترافق الجولة الميدانية هيئة من اهل الحكمة والخبرة والتجربة لوضع الحلول لمعالجة الاوضاع المتدهورة التي يمر بها المواطنون بالاقليم.
وعلى ان يقترن برنامج الحلول بخطة استراتيجية عاجلة لانشاء صندوق مالي برأسمال قدره ملياري دولار بعنوان «صندوق الازمات»، بمبادرة من السيدين مسعود البرزاني وكوسرت رسول ومساهمة مباشرة وملزمة من جميع الاحزاب والشركات واصحاب رؤوس الاموال، وعلى ان يخصص اموال الصندوق للتسليف المباشر للمواطنين بمنح قروض ميسرة جدا في كل مجالات الاحتياجات الحياتية الانسانية كالمشاريع الصغيرة للشباب والزواج وبناء دورالسكن وشراء السيارات الشخصية والتشغيلية وتسليف طلاب الجامعات والمعاهد والخريجين والسيدات والانسات الراغبات بالعمل وغيرها من المجالات التي لها علاقة وتماس مباشر مع احتياجات وحاجات افراد الشعب.
ولاشك فان هذه المبادرة في حالة تبنيها من قبل القادة الكرد ستكون لها الاثر الكبير في اعادة التوازن الى منظومة الاخلاقيات الكردية المقبلة على الانحدار بسبب جشع ووحشية وديناصورية الساسة والتجار والشركات والعصابات والمافيات الحزبية والحكومية والعائلية الحاكمة، وستساعد على وقف التدهور الحاصل في بنية الحياة المعيشية والحياتية لمكونات وشرائح المجتمع الكردي، وذلك من خلال تجاوز الازمات والمشاكل والبدء بمرحلة جديدة تحقق فيها تنمية حقيقية وتقدم نوعي في حياة كل مواطن بالاقليم لضمان حاضر ومستقبل اجيال الاقليم.
(*) كاتب وباحث سياسي من اقليم كردستان