ذاكرة الألم في قصائد « منور ملا حسون»

د. محمد حسين آل عبيد

عمدت الشاعرة ومن خلال عتبة العنوان (مرافئ ضبابية) إلى صياغة فلسفتها الخاصة لتخط بها عنوان ديوانها الشعري، ولتقول لنا أن ميناء مرسى أحلامها بات غير مرئي وضبابي، أبعدته الأقدار إلى ان يسير نحو المجهول في ذاكرة الغياب. وكذلك هكذا تحكي عناوين قصائدها التي لا تسودها سوى لغة الرسالة والحبّ الممنهج العالية المستوى الخطابي والشفافية في طريقة السرد الشعري، وهي تطرق عناوين مثلاً:

 ( انشطار، إليه أينما يكون ، لك..لأجلك) وغيرها من العنوانات ، ولترحل بعدها الشاعرة إلى كتابة الوجع الذاتي والعراقي المرصع بنبرة الحزن كعنوان:

)حين رحلت ، الرحيل الموجع ، ضياع في مدينة ) وهي جزء من مواساة الذات الموجوعة لفراق من تعشق ومن تحب، في حوار الذات مع الذات الأخرى المنتظرة، التي تسببت بكل هذا الوجع الشعري، والقائم على الوفاء والإخلاص، ووصف الألم الداخلي لمرحلة الغياب، فضلاً عن ذكر التفاصيل والمشاهد اليومية التي اعتادت الشاعرة بلورتها مع الأخرى في ضمن مرحلة مهمة جسدتها بصورة شعرية لا تخلو من الصدق الشعوري، وهذا ما تحكيه نصوصها الشعرية المثقلة بالوجع والوحشة. قالت الشاعرة  :

ولأني .. !

لم أعد أملك غير الوحشة

في فردوسي الذابل .. !

 لملمتُ لآلئ ضفائري.. 

وعيوني، مثقلة بالأشجان .

وهذا ما يقودنا إلى مرافئ الشاعرة الضبابية التي يغزوها الأمل في حياة أبدية أجمل في ظل ذلك الفردوس الذابل بعد أن غادرته الحياة والأمل المنشود في الوصول إلى بر الأمان، وهي أمنية لطالما سعت الشاعرة إلى الوصول لها من خلال الكلمات واللغة وبوابة الأمل وإن كان الحزن هو ديدنها، ولكنه حزن جميل تطوق أفقه الأحلام العابرة للزمن وللحزن وللضياع في عالمها الخاص واللاشعوري المكثف بالابتسامات الخاطفة هنا وهناك، بعد أن جعلت منها لحناً للشمس تردده أحلامها الصامتة في أعذب ايامها الندية وفي نداءات ينابيع الإحساس الذاتي المتشوق الى جمره ، وحكايا الأمس .

وقد ازدحمت تلك الحكايا الشعرية لدى الشاعرة بطقوس الزمن وضجيج الصمت عبر بوابات اللا عودة ، والتي هيأت لها الثورة على أيام الخريف المطرزة بالأسى، لشم عبير الياسمين عبر مساحة خضراء لا تقبل القسمة سوى على اثنين. في لحظة ما جسدت مرحلة الانتظار كالفجر الأنيق، خلف اسوار الليل على دربها الناعس وأحلامها الهادرة في ضباب الشواطئ أمام جميع الدروب الموصودة بالعتمة. واخيراً نقول نحن امام تجربة شعرية فريدة قائمة على الوعي الشعري العميق بقاموس اللغة ودلالاتها وانزياح المفردة وطريقة توظيفها من خلال قصيدة النثر العميقة والمدهشة والانفجارية. كما لابد من الإشارة ومن خلال عتبة الإهداء الى أن الشاعرة حملت معها تجربتها الجمالية الحياتية والقائمة على الوفاء والحب العميق لزوجها وجسدته وأفردت له ديوانها للحديث عن تلك التجربة الخضراء التي وقفت على جميع تفاصيلها وثمارها في كفّ رحى الزمن الجميل وفي صرخة الحياة التي أكملت الشاعرة مشوارها بعد أن صلبت احلامها أمام تجربة الضياع والموت، ليكون نحت الكلمات بدءًا لمرحلة ما بعد الرحيل وليس النهاية التي تطرزها الدموع الحارقة ومرايا الريح العارية التي حصرتها الوحشة وحملت نبضها الجريح في ظل أيام كانت هي رهان دربها المغلق امام مفاتيح الزمن وقوافل الاماني في العودة المستحيلة على الرغم من الضوء الخافت المنبعث من ذاكرة الأمل المكثف في محطات الفراق الطويلة الممطرة بالسكون والشواطئ المبهمة، لتحاكي فصول الحياة وفجرها الارحب الذي لا يشيخ في محراب أحلامها التي تفوح منها مواسمها الملونة المختلطة بالعنبر في بساتين الأزهار وهواجس الأنين ودفء الصمت وأنفاس الليل الراقص على وجه الماء.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة