بالرغم من كونه غير مسجل في قائمة الاحزاب والكيانات المرخصة من المفوضية “المستقلة” للانتخابات، الا انه يحظى بقاعدة شعبية واسعة تضم شتى اطياف وشرائح المجتمع العراقي. يجسد في سلوك ومواقف المنتسبين اليه تراص ووحدة يندر العثور عليها في المشهد الراهن، فهم جميعاً يتمتعون بخفة ورشاقة لا مثيل لها في الانتقال من الشيء الى ضده، من دون ادنى وجع من عقل أو ضمير. على سبيل المثال لا الحصر في الموقف من الاحتجاجات الاخيرة، وكيف يبرهن هذا الحزب ومن شتى المستويات (العوام والخواص) على قدرته الاسطورية في محق كل ما عرفه العراقيون في تاريخهم (القديم والحديث) من بؤس وتشرذم وتخبط وسط البرك الآسنة لما يعرف بـ “الهويات القاتلة” ليجدوا انفسهم وجهاً لوجه امام فردوسهم المفقود (الهوية العراقية). هكذا ومن دون ادنى شك أو قلق يضخ “الجقلمبيون” بشارتهم لمثل هذه المعجزات وغيرها الكثير لسكان هذا الوطن المستباح بكل أنواع الجقلمبات، والويل كل الويل لمن يتجرأ على مجرد دعوتهم للتريث في اجتراح مثل تلك المآثر الجقلمبية، لانهم سيصبون على رأسه كل ما في ترسانتهم من اللعنات والتهم الجاهزة لمثل تلك المناوشات المحسومة نتائجها سلفاً.
سر قوة هذا “الحزب” تستند على اساس مكين من حطام البشر والقيم، ذلك الحطام الذي وصل الى مستويات ومديات لا مثيل لها برفقة أربعة عقود من عمليات المسخ الممنهج لسلطة “المنحرفون”، كما ان مرحلة ما بعد زوال النظام وما رافقها من فوضى غياب البدائل السياسية والحضارية وسقم المعايير التي اعتمدها قراصنة وقوارض ما أطلقنا عليه بـ “حقبة الفتح الديمقراطي المبين”، كل ذلك قدم لذلك “الحزب” كل ما يحتاجه ليكون الكتلة الاكبر من دون أي منافس يذكر، فهم موجودون في كل حطام “الاحزاب” والكتل و”النقابات” والجماعات ولا يستثنى منهم ما يطلق عليه بـ “منظمات المجتمع المدني” والتي طفحت على مسرح عراق ما بعد “التغيير” بشكل يعجز عن فك طلاسمه اعظم المتخصصين في علوم مرحلة العدالة الانتقالية. ما يهمنا اليوم هو مخاطر وجودهم في ساحات التظاهر والنشاطات الاحتجاجية، ويمكن التعرف عليهم لا من سيرتهم المعطوبة وحسب، بل من خلال السقف العالي لما يدعونه من مطالب وما يرفعونه من شعارات وما يرافق كل ذلك من صخب وضجيج ومزاودات ثوروية، ازدادت صلافة مع الاستقبال الواسع لهم من قبل غالبية وسائل الاعلام المحلية والاقليمية والدولية.
لذلك كله ينبغي على ممثلي الاحتجاجات ومن شريحة الشباب بنحو خاص، الانتباه جيداً لمثل هذه المخلوقات، والتي لم تعرف سيرتها الشخصية والاجتماعية والسياسية أية محطات مشرفة. لقد تسلل الكثير منهم لمواقع الاحتجاجات حتى وصل الحال بالبعض منهم لطرح نفسه كرمز وممثل لها، وهذا لا يمكن أن يحدث الا في المضارب التي يشتبك فيها الحابل بالنابل، وحيث يجد فيها “الجقلمبيون” مرتعاً آمناً ومتحمساً لاستقبال بضائعهم ومواهبهم. ومن الاهمية بمكان الاشارة الى ان خطورة هذه المخلوقات تكمن بمساحة انتشارها الواسعة، حيث تجدها متواجده تحت شتى اللافتات والعناوين السياسية والاجتماعية والآيديولوجية والمهنية والاكاديمية، ومن اقصى اليمين الى أقصى اليسار، ويزيد في ديناميكيتها وسطوتها حجم التضامن والتخادم الذي يجمع بين لملومهم الواسع هذا، مما يجعلهم الأكثر استعداداً لمفاجأت المقبل من جقلمبات المشهد الراهن…
جمال جصاني