فهم الأعتصامات في العراق.. مظاهرات، حراك إجتماعي، أم ثورة

القسم الثاني

هوشيار عمر علي *

السؤال هو: كيف لمواطنين ضعفاء محرومين، اكتساب هذه القوة؟
أن أساليب أكتساب القوة الجماعية عديدة، أهمها:

  1. تجاهل رغبتهم في المشاركة بالحياة اليومية، الأعتصام، الأضراب الجماعي عن العمل، اذ ان الحياة اليومية شبه متوقفة تماماً، في معظم المدن سيما العاصمة بغداد، بفعل الأعتصامات الراهنة، حتى أن الحكومة تعجز عن أداء مهامها كما يجب. أي أن الأعتصامات والأضرابات الحاصلة و إنْ لم تكـن شاملـة، الأ أن الحكومـة العراقية و الطبقـة السياسيـة، متخوفتـان مـن احتمالات اتساع نطاق الأحتجاجات، سيما بعـد فشل المراهنـة علـى تعـب الجماهيـر، سبيـلاً لأنتهـاء الأعتصامـات.
  2. التظاهرات بدافع كسر القوانين، عبر التمرد والعصيان المدني، هي فعاليات حدثت في العراق طوال الاسابيع الستة المنصرمة.
  3. استهداف وتدمير المباني العامة والخاصة، بغية أضعاف الحكومة و ابراز عجزها عن المحافظة على الأملاك الخاصة و هيبة سلطتها، وهنا يكمن التغيير الحقيقي المتمثل بفقدان الحكومة لعنصر القوة و انتقالها الى الضعفاء، وهو أمر يحصل في العراق يومياً، بينما الحكومة لا حول لها سوى اطلاق التحذيرات تباعاً.
    إن هذا الحراك الأجتماعي في العراق،تخللته مشاهد معينة أبرزت حقيقة السمات التي تميز هذه الاعتصامات عن سابقاتها، والمشاهد هي:

المشهد الأول
يشاهد احد المتظاهرين ملفوفاً بالعلم العراقي، و هو يحمل بيده مقلاة، ويستوقف سائق سيارة سائلاً إياه:
المتظاهر: اكو سياسي بسيارة؟
السائق: لا.
المتظاهر: يللة روح.
هذا المشهد يعكس مدى النقمة، و النبذ للطبقة السياسية باسلوب ساخر.

المشهد الثاني
في الناصرية جنوب العراق، يردد المتظاهرون قصيدة حسينية، مما يجسد الأنقلاب الرمزي لقوة الشيعة، واستخدامها ضد اولئك الذين يحكمون العراق باسم الشيعة منذ سنوات، خصوصاً القوى السياسية الدينية، التي دأبت على سوء استخدام الرموز الدينية، كأساس لشرعية سلطتهم، والتظاهر على أنهم جزء من الجماهير التي تقف ضدهم اليوم، وفيما يلي نص تلك القصيدة

يـمـه ذكـريـنـي مـن تـمـر زفـة شـباب
مـن الـعـرس مـحـروم … حـنتي دم المصاب
شــمــعـة شـبـابـي مـن يـطـفـوهـا
حـنـتـي دمـي والچـفـن ذاري الـتـراب
يـمـه ذكـريـنـي مـن تـمـر زفـة شـباب

المشهد الثالث
رجل دين شيعي بعمامة سوداء، يمزق عمامته اوصالاً و يوزعها على المتظاهرين، الذين تضربهم القوات الأمنية بالغازات المسيلة للدموع، بمعنى أن تواجد رجال الدين لم يعد مقتصراً على المساجد، بل صاروا جزءاً من الأحتجاجات التي يشاركون فيها بالفعل لا بالقول وحسب.

المشهد الرابع
لفيف من رجال الدين في حوزة النجف يحملون الاعلام العراقية، ويجوبون الطرقات مرددين شعارات، منادية بالحرية و الأنتماء العراقي ومناهضة للفساد، وهو أمر ذو أهمية خاصة، لأن اولئك الرجال هم جزء، من الحوزة الدينية في النجف.
نعم نعم للحرية
كلا كلا للفساد
نعم نعم للعراق

موقف الطبقة السياسية
إزاء الحركات الأجتماعية
إن اصحاب السلطة في جميع الدول، يتصدون دائماً للحركات الأجتماعية، خصوصاً عندما تشكل تلك الحركات تهديداً لسلطتهم، وللأمتيازات التي حصلوا عليها بفضل وجودهم في سدة الحكم.
ولاشك أن ذاك التهديد يحيط بمكانة الطبقة السياسية في العراق، حيث أغلق المتظاهرون اثنين من الطرق الرئيسية المؤدية الى المنطقة الخضراء، وهما جسرا الجمهورية والقادسية، فيما بات التنقل من والى الخضراء مقتصراً على الجسر المعلق في الجادرية.
وعلى غرار دول اخرى، يطالب رؤساء البرلمان و الجمهورية و الحكومة، جماهير الشعب بعرض مطالبها عبر المؤسسات القائمة، لأنها تخضع لسيطرتهم وأدارتهم، ما يتيح للرئاسات الثلاث التحكم بها، ولكن يبدو أن الطبقة السياسية في العراق لاتفهم حقيقة ان الاحتجاجات تحولت الى حراك إجتماعي، يسعى الى تحقيق اهدافه خارج أطر المؤسسات، ام انها تتغابى ازاء ذلك.
أن المشاركين في هذا الحراك الأجتماعي، يجهرون علناً بانعدام ثقتهم بالطبقة السياسية والمؤسسات الخاضعة لها.
و لعل العامل المشترك بين اطراف الطبقة السياسية في العراق و الدول التي تشهد حركات أجتماعية مماثلة، هو الوسائل التي تعتمدها لأنهاء تلك الحركات، وهي:

  1. اعتماد القمع و وسائل العنف، عبر الاعتقالات والتهديدات واستخدام القوة العسكرية، وهذه الاساليب اتبعت منذ انطلاق الأحتجاجات في العراق، واسفرت عن مصرع المئات واصابة آلاف آخرين. بينما تنفي الحكومة مسؤولية قواتها الأمنية عن ذلك، و بغض النظر عن الجهة بطشت بالمتظاهرين،فأن الحكومة تعتبر مسؤولة وفق الدستور عن حماية سلامة المواطنين، لقد اخفقت اساليب العنف والقتل والأختطاف، في ابعاد الجماهير عن ميادين الأعتصام، بل ألهبت غضبها.
  2. اسلوب التذويب عبر إدعاء تبني القضية و قيادتها، و استمالة قيادات الحراك الاجتماعي واستقطابهم، وهو اسلوب تم اتباعه عندما اعلن اصحاب القرار كافة، عن تضامنهم وتعاطفهم مع مطالب المحتجين، عبر التقاء ممثلي المتظاهرين، واتخاذ بعض القرارات من جانب الحكومة والبرلمان، بهدف ارضاء الجماهير الناقمة وفض الاعتصامات ولكن دون جدوى، لأن الجماهير فقدت الثقة اولائك الاشخاص و وعودهم، كما ان قيادات الاعتصامات ليست معروفة كي يتم ارضاؤها وتنتهي الاحتجاجات.
  3. استراتيجية ازالة شرعية الحراك الاجتماعي، عبر وسمه بنعوت مثل الغوغاء، والزعم بأنه نتاج لدسائس خارجية وداخلية، في محاولة للنيل من شرعية مطالب المعتصمين، و هذا يمثل الخيار المفضل لدى الطبقة السياسية في العراق و سائر دول الشرق الأوسط.، وهذه الطبقة السياسية ليست مستعدة اطلاقاً، للتسليم بحقيقة أن المواطنين ناقمون عليهم ويسعون لتغييرهم.
  4. الضربات المخفية، عبر تمرير المندسين والمأجورين من قبل السلطة، او زرع الجواسيس ضمن صفوف الحراك الأجتماعي، لكن الدلائل على هذا الأمر في العراق لم تتضح بعد، بيد ان التجارب السابقة أظهرت بجلاء، اعتماد هذا الأسلوب بغية تحريف التظاهرات السلمية عن مسارها، واثارة العنف لأيجاد ذرائع استخدام القوة لأنهاء الأحتجاجات.

النتائج
ان الطبقة السياسية في العراق، طرحت رؤية مفادها أن التظاهرات والأحتجاجات تندلع وتستمر لفترة وجيزة، وتتوقف على اثرها جوانب من الحياة اليومية، ويذهب ضحيتها مجموعة من الافراد بين قتيل وجريح، وفي نهاية المطاف تكل الجماهير وتمل وينتهي كل شيء.
لكن الأحتجاجات تحولت هذه المرة الى حراك اجتماعي، حيث يكافح المواطنون المحرومون، من السلطة وثروات البلاد لتحقيق التغيير المنشود، بمعزل عن مؤسسات الدولة، و لعل ما يثبت هذه الحقيقة، هو مضامين الشعارات والرموز و الاناشيد و المشاهدات، و خاصية استمرارية الأعتصامات و طبيعتها المنظمة.
ان الطبقة السياسية اخفقت في انهاء هذا الحراك الاجتماعي، من خلال محاولة ركوب موجته وتبني مطالبه، واصدار سلسلة قرارات اصلاحية، او اتهام المتظاهرين بارتباطاتهم مع جهات خارجية، والسعي للنيل من مشروعية هذه القضية، فالطبقة السياسية كافة بدأت تستشعر، المخاوف التي تهدد سلطتها بالزوال، ومحاولاتها المشتركة لأبقاء الأوضاع على ما هي عليه الآن، و إرضاء المواطنين ببعض الأصلاحات والتغييرات الشكلية لن تجدي نفعاً، وفي حال استمرار الاعتصامات فان الخيار الأسوء، يتمثل في اعتماد القوة لأنهاء هذا الحراك الاجتماعي، لأن من شأن ذلك تعميـق المعضلات وتعقيدها، و الدفع بالعـراق نحـو مستقبـل مظلـم و مبهـم.
و الخيار الأمثل يكمن في تحقيق الاصلاحات الجذرية، سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، وخلق أرضية الفرص المتكافئة ، والشفافية والدالة الاجتماعية، والحرب ضد الفساد المستشري في جسد الحكومة كما السرطان، و الخيار الأهم من كل ذلك هو بناء دولة القانون وتكريس المواطنة.

  • منسق قسم العلاقات الدبلوماسية لحركة التتغير

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة