يمكن التعرف على زيف ادعاءات الكتل المهيمنة على مجلس النواب الحالي، تجاه قضايا التغيير والبناء والاصلاح وغير ذلك من الملفات؛ في التعرف على موقفها من الحقل الذي اعتبره الجنرال ديغول “الاساس الصلب لاعادة بناء فرنسا بعد الحرب أي الثقافة” لذلك ترك مهمة اختيار وزير لها للمثقفين الفرنسيين الذي اختاروا الكاتب والمفكر اندريه مارلو، وكان اختيار يليق وينسجم مع ارث ومكانة فرنسا في هذا المجال الحيوي. اما في هذا الوطن المنكوب على الصوبين (الديمقراطية والدكتاتورية) فقد تم التعاطي مع هذا الملف (الثقافة والاعلام) كجزء تافه من عملية تقاسم الاسلاب بعد كل دورة انتخابية، ولا يحتاج المرء الى كثير من الجهد والتنقيب كي يتعرف على ما يجري في هذين الحقلين المتلازمين، يكفيه الاطلاع على سيرة الاشخاص الذين امتطوا سنام لجنة الثقافة والاعلام البرلمانية ليتأكد من ذلك العمل الممنهج ضد ما تعده الامم الحرة اساساً لاستقرارها وازدهارها.
بالنسبة لي شخصيا لا أستغرب مثل تلك الخيارات لما يفترض انها اعلى سلطة تشريعية ورقابية في البلد (مجلس النواب) لان البرلمان ينضح ما فيه، وهذه هي امكانات وقدرات اعضائه الفعلية، من شتى المنحدرات والاجناس والهلوسات والازياء، وهذا ما خبرناه عنهم وعن اسلافهم في الدورات الثلاث السابقة، اذ تعجز اقوى الميكرسكوبات في العثور على من يشغله هذا الهم من بينهم، لكن والحق يقال فان لجنة الثقافة والاعلام السابقة كانت أقل اغتراباً عن وريثتها الحالية في الشأن الثقافي والاعلامي رغم تبعيتها المطلقة لمشيئة الحيتان الديمقراطية. لذلك علينا الاستعداد لفصل اضافي من الانتكاسات والخيارات والقرارات المتنافرة والوظائف الاساسية لهذين الحقلين، ويمكن تلمس ذلك فيما يراه اعضاء هذه اللجنة حول مشروع النشيد الوطني وكيف يصطفون مسبقاً مع نشيد الغريري مستندين الى ذرائع تفضح مستواهم الثقافي والسياسي والمعرفي، وهذا اول الغيث مع هذا الفريق البرلماني الذي هبط على سنام أخطر سلطتين في البلد (الثقافة والسلطة الرابعة) وعلى هذا المنوال سيعاد رسم خارطة ما يفترض انه العراق الجديد..!
كل هذا ويتساءل البعض عن علل كل هذه الضحالة والقبح المتسللة لتفاصيل حياتنا الفردية والجمعية، وهذا الانتشار الواسع لشبكات الفساد الاخطبوطية وعجزنا عن مجابهتها فيما يفترض انه نظام ديمقراطي. ان هذا الاصرار على وضع مقاليد امور ما يشكل روح وهوية اقدم واعرق الاوطان بيد شخصيات ليست مجهولة ثقافيا واعلاميا وابداعيا وحسب بل تابعة ولا حول ولا قوة لها؛ يعني الاصطفاف بوعي أو من دونه الى جانب القوى والمصالح التي اوصلت العراق الى كل هذا الضعف والتشرذم والعجز والهوان. وهنا لا مناص من الاشارة الى ان استمرار هذه الكتل والجماعات في الامعان بمثل هذه الخيارات والقرارات، يأتي بسبب معرفتها واطمأنانها على الواقع البائس لما يسمى بالنخب الثقافية والاعلامية، والتي تعاني غالبيتها العظمى من العطب والتبعية ووباء الارتزاق وغير ذلك من اعراض التعفن الطويل مع الدكتاتورية أو في بلدان الشتات. لذلك كله لن نستغرب ان استقبلنا قريبا اجيالا جديدة ومبتكرة من الغزوات والاستباحات تندفع الينا من بوابة حطام الثقافة والفنون والاعلام…
جمال جصاني