-1-
اذا كانت اللمحات الاخلاقية غائبة في سِيَرِ الطغاة والجبابرة وجلاوزتهم فانها حاضرة في سِيَرِ العظماء من العلماء والمصلحين والرموز ..
-2-
وكاتب السطور شديدُ العناية بهذه اللمحات لأنها تكشف جوهر الانسان .
لا خيرَ في علمٍ اذا لم يقترن بالاخلاق،
ولا خير في شخصية استثنائية اذا لم تتوفر على نصيب عالٍ من حسن الخلق والمواقف الانسانية النبيلة ، والمساهمة الجادة الفاعلة في المشاريع النافعة انسانيا واجتماعيا
-3-
وواهمٌ من يظن أنّ الاخلاقية العالية يُمكن أنْ تُحجبَ آثارُها الايجابية من قبل الحسّاد أو الخصوم .
-4-
اننا نحث على الاقبال على دراسة الجوانب الاخلاقية لعلمائنا الاعلام لا لمجرد الاطلاع، بل للافادة منها في تعاطينا اليومي مع الأشخاص والأشياء …
انّ فيها من الروائع ما يملأُ النفس، ويُثري الروح، ويغذّيالعقل ويُنعشُ القلب …
-5-
ان المواقف الاخلاقية انما هي الانعكاس الحقيقي لما تنطوي عليه النفس الانسانية في أعماقها من عناصر الايمان الراسخ ، والسريرة الطاهرة ، والسمو الذاتي …
-6-
وبمقدورك ان تجد ما يُبهرك من لمحاتٍ أخلاقية اذا تأملت سِيَر مراجع الدين وكبار علماء المسلمين ، بوصفهم وعاةَالعلمِ، ومناهل الاخلاق ، وينابيع الآداب العالية والقِيم الساميه .
-7-
وقد قرأت مؤخراً ما كتبه بعضهم عن صاحب العروة الوثقى – وهي المتن الفقهي الذي اعتمده معظم الفقهاء المعاصرين في أبحاثهم الفقهية العالية، وأوسعوه شرحاً، واستدلوا على أحكامه بأدلتهم التفصيلية – كما أنه المرجع الأكبر للاماميّة في عصره وهو اية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائي قُدّس سرّه ، فأحببتُ ان أُوقِفُكَ على بعضِماجاء فيها من أبعادٍ مضيئة، بمقدار ما تتسع له هذه المقالة الوجيزة منها :
أنَّ احد اولاده كان عازماً على التوّجه الى خراسان للتشرف بزيارة الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فخاطبه السيد قائلاً :
انك في خراسان سوف تتلذذ بفواكهها- وفواكه خراسان موصوفة بالطيب والجودة- فلماذا لا تُعطي نفقات السفر الى فلانة – وهي امرأة فقيرة كان السيد محيطا بأحوالها –وتصعد الى سطح الدار لتتجه صوب الامام زائراً ؟
واللافت هنا هو العناية الفائقة بالفقراء عنده الى الحدّ الذي قدّم فيه اشباع حاجة الفقير على زيارة الامام الرضا (ع) .
وهذه أعلى صيغ الاهتمام بالفقراء .
والسؤال الآن :
أين هم المعنيون بذوي الحاجة من الفقراء ؟
ومن هم الذين يقدمونهم على انفاقاتهم المستحبة .
انّ البر الاجتماعي له ثقلُه الكبير في ميزان الاعمال الصالحة .
وانّ أكبر المؤشرات على الفهم الواعي للاسلام هو مقدار العناية بهذه الشريحة من الناس وتخفيف وطأة معاناتها .
ومنها :
انه –رضوان الله عليه – كان قد وضع على رفوف غرفته الخاصة بعض الأواني التي كان يستخدمها ابّان مرحلة دراسته الأولى وحين سئل عن سرّ وضعها على الرف أَمَامَهُ ، قال :
” لكي لا أنسى نفسي “
انّ الفوارق بين مرحلة الدراسة ومرحلة الزعامة كبيرة جداً،وقد ألزم – طيب الله ثراه – نفسه بوضعه لبعض تلك الأدوات المستخدمة في مرحلة الدراسة على الرفّ ، بالتذكر اليومي للنعم الالهية التي أفاضها الله عليه ، حيث نقله من مجرد طالب علمٍ صغير الى مرحلة الزعامة الدينية العامة التي تجعله في موضع الاقتدار على انشاء أكبر المشاريع النافعة فضلاً عن الحياة الكريمة على المستوى الشخصي والعائلي .
نعم
ان هناك مَنْ ينسى نِعَمَ الله عليه ويتنكر لها حيث يستعين بها على التمرد والعصيان ..!!
انه لدرس أخلاقي ثمين
ومن المواقف الأخلاقية المهمة موقِفُه من خطيب اعتلى المنبر دون أنْ يكون عالِماً بحضور السيد في مجلسه ، ونال من السيد بكلماتٍ بعيدةٍ عن اللياقة والأدب، ثم انتبه الخطيب فجأة الى وجود السيد في المجلس فارتبك واضطرب، وأشار الى مسألة معيّنة أخطأ فيها، وكان المتوقع أنْ يرّد السيد عليه ويصحح له الخطأ ولكنه ظل صامتا حتى أنهى الخطيب كلامه، وحين نزل من المنبر استدعاه وأجلسه الى جنبه وهمس في أذنه بالوجه الصحيح للمسألة متحاشيا اية خدشة للخطيب .
انه لم يفكر بالانتقام بل فَكرّ بالاصلاح ..
وفي اليوم الثاني اعتلى هذا الخطيب المنبر فاعلن توبته وقدّم اعتذاره عن اساءته للسيد وقال للناس :
كان مِنْ حقّ السيد أنْ يوبخني على الخطأ أمام الناس،ولكنه استدعاني وأطلعني على الخطأ بصورة خفيّة .
وصدق الله العظيم حين قال :
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَاالَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
فصلت / 3(٣٤)