افتقارها الى البعد السياسي يجترح فشلها المستقبلي
متابعة ـ الصباح الجديد :
يعتزم جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي ترامب، عرض خطة «السلام من أجل الازدهار» في مؤتمر دولي بالبحرين غدا الثلاثاء والأربعاء الذي يليه.
وقال كوشنر، وهو مهندس المشروع لرويترز إنه ينبغي للزعماء الفلسطينيين دراسة الخطة، وأضاف «تلك ستكون «فرصة القرن» إذا كانت لديهم الشجاعة للالتزام بها».
ولا تتطرق الخطة إلى الشق السياسي من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، متفادية ذكر أي اتفاق سياسي بين الطرفين. وتؤكد إدارة ترامب أنه سيتم الكشف عن الجانب السياسي من الخطة لاحقا هذه السنة، ربما في تشرين الثاني بعد الانتخابات المرتقبة في إسرائيل وتشكيل الحكومة الجديدة.
تفاصيل الشق الاقتصادي
وتدعو الخطة في شقها الاقتصادي، إلى استثمارات ضخمة من أجل تحسين إنتاج الكهرباء وإمدادات مياه الشرب ومعالجة مياه الصرف الصحي في الأراضي الفلسطينية في ظل تردي الخدمات الأساسية.
وفي قطاع غزة تنص الخطة على هبات وقروض بفوائد متدنية بقيمة 590 مليون دولار لتحديث محطة إنتاج الكهرباء في غزة واستحداث عشرات آلاف الوظائف. كما تلحظ الخطة جهودا كبرى لدمج الاقتصاد الفلسطيني مع اقتصادات الدول العربية المجاورة، إنما ليس مع إسرائيل.
وستستخدم هبات تصل إلى 900 مليون دولار لتحسين محطات شحن البضائع وشق طرقات خاصة للحد من الوقت الذي تستغرقه عمليات الشحن التجاري عبر الحدود وخفض كلفتها. وتتضمن الخطة شق طرقات حديثة مع إمكانية إقامة خط للسكك الحديد يربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة، في محاولة للاستجابة لمطالبة الفلسطينيين بإقامة دولة متواصلة جغرافيا.
وترصد الخطة 500 مليون دولار من الهبات لإقامة جامعة جديدة ذات مستوى عالمي في الضفة الغربية أو في قطاع غزة. كما تنص على تخصيص 30 مليون دولار لإعداد النساء بهدف رفع حصتهن ضمن القوى العاملة من 20 إلى 35 %.
وتهدف بصورة عامة إلى زيادة متوسط العمر المتوقع من 74 إلى 80 عاما. وتركز أيضا على القطاع السياحي مع تخصيص 1.5 مليار دولار من القروض المتدنية الفوائد و500 مليون دولار من الهبات لتطوير المواقع السياحية والترويج للسياحة في الأراضي الفلسطينية.
وتشير الخطة إلى أن الأراضي الفلسطينية تضم بعض المواقع الأكثر قدسية للديانة المسيحية، وترى أنه من الممكن تعزيز السياحة فيها باجتذاب عشرات آلاف السياح الإضافيين كل سنة، ولا سيما من خلال تشجيع السياح على زيادة محطة إضافية إلى رحلتهم.
وفي انتقاد ضمني للسلطة الفلسطينية، تنص الخطة على أن يتولى مصرف إنمائي متعدد الأطراف إدارة الأموال لمنع الفساد وضمان الشفافية. وتدعو الخطة بالتوافق مع رأي الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي، لاقتصاد سوق يضمن حماية أفضل لحقوق الملكية و»تشريعات ضريبية تشجع النمو». كما تخصص الخطة 30 مليون دولار من الهبات لإنشاء قاعدة بيانات حديثة لتسجيل صكوك الملكية العقارية.
مضيعة هائلة للوقت وجريمة تاريخية
وعلى الرغم من كل ما يوحي بأنه مغر لقبول هذه الخطة الا ان افتقارها الى الافق السياسي، أثار رفضا ليس من الفلسطينيين فحسب ولكن أيضا في الدول العربية التي تسعى إسرائيل إلى إقامة علاقات طبيعية معها.
وقاطعت السلطة الفلسطينية الاجتماع ولم يوجه البيت الأبيض الدعوة للحكومة الإسرائيلية. وقالت حنان عشراوي المسؤولة البارزة بمنظمة التحرير الفلسطينية إن خطط كوشنر كلها مجرد «وعود نظرية» مشيرة إلى أن الحل السياسي فقط هو الذي يحل الصراع. وكانت حركة «حماس» أكثر وضوحا بالقول «فلسطين ليست للبيع».
واستنكر معلقون بارزون ومواطنون عاديون مقترحات كوشنر بعبارات مماثلة بشكل لافت للانتباه مثل «مضيعة هائلة للوقت» و»فاشلة» و»مصيرها الفشل منذ البداية».
وقال المحلل المصري جمال فهمي «هذه الخطة هي من بنات أفكار سماسرة العقارات لا الساسة. حتى الدول العربية التي تُوصف بأنها معتدلة غير قادرة على التعبير علنا عن دعمها». وقال سركيس نعوم المعلق بجريدة النهار اللبنانية «هذه الخطة الاقتصادية، مثلها مثل غيرها، لن تنجح لأنها بلا أساس سياسي».
وقال عزام الهنيدي نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، التي تمثل المعارضة الرئيسية في البلاد، إن الخطة الاقتصادية تمثل بيع فلسطين تحت راية الازدهار مقابل السلام دون إعادة الأرض وإن دول الخليج العربية تتحمل الجزء الأكبر من الأموال، مشيرا إلى أنها صفقة بأموال عربية.
وكانت جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية قد وصفت في السابق الخطة بأنها «جريمة تاريخية» يجب وقفها.
ويعتقد محللون عرب أن الخطة الاقتصادية تمثل محاولة لشراء معارضة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية برشوة قيمتها مليارات الدولارات للدول المجاورة التي تستضيف ملايين اللاجئين الفلسطينيين من أجل دمجهم. وقال صفوان المصري، الأستاذ بجامعة كولومبيا «جزء كبير من الخمسين مليار دولار سيذهب إلى الدول المجاورة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في تلك البلدان». وبعد قيام إسرائيل في عام 1948، استوعب الأردن وسوريا ولبنان معظم اللاجئين الفلسطينيين. وتشير بعض التقديرات إلى أن عددهم يصل الآن إلى نحو خمسة ملايين. وقال مهند الحاج علي، وهو زميل في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت «أرى أنها ستفشل فشلا ذريعا بينما تفيد خصوم الولايات المتحدة في المنطقة» في إشارة إلى إيران.
«لا ضير من الاستماع»
وستشارك دول الخليج العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك السعودية والإمارات، إلى جانب مسؤولين من مصر والأردن والمغرب في مؤتمر البحرين، ولن يحضر لبنان والعراق.
من جانبها أكدت السعودية للحلفاء العرب أنها لن تؤيد أي شيء لا يلبي المطالب الأساسية للفلسطينيين. وقال علي الشهابي، رئيس المؤسسة العربية التي تدعم السياسات السعودية، إن السلطة الفلسطينية مخطئة في رفض الخطة. وأضاف في تغريدة على تويتر «يجب أن تقبلها وتعمل على وصول المنافع لشعبها ثم تمضي قدما بقوة في العمل السلمي… للبحث عن الحقوق السياسية».
وانتقد رجل الأعمال الإماراتي البارز خلف أحمد الحبتور رفض الفلسطينيين الذهاب إلى البحرين، قائلا «هذه المقاربة… قصيرة النظر في أفضل الأحوال، وانهزامية في أسوأها». وكتب «لا ضير من الاستماع إلى الطروحات التي ستُقدَّم على طاولة البحث».
وحتى في الخليج، لا تلقى خطة كوشنر دعما يذكر. ووصفها ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر، بأنها مضحكة وغير واقعية. وتوقع الباحث الكويتي ميثم الشخص أن تكون واشنطن غير قادرة على تنفيذ الخطة من خلال الدبلوماسية وقد يتعين عليها فرضها بالقوة. وقال «أعطى (ترامب) إسرائيل القدس والجولان، وفي كل يوم يقدم لهم هدايا على حساب العرب».
وقال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبد الخالق عبد الله إن للفلسطينيين الحق في رفض خطة كوشنر
وأضاف «ستواجه دول الخليج صعوبة في فرضها على الفلسطينيين. ستواجه صعوبة في إقناع الفلسطينيين… هذا ليس ما يتوقعه الناس بعد سنوات من الصراع والكفاح».