«روما» فيلم المخرج المكسيكي الفونسو كوارون
يوخنا دانيال
روما، هو الفيلم الأخير لصانع الأفلام المكسيكي المتفوق ألفونسو كوارون الحائز على الأوسكار قبل سنوات لأفضل مخرج عن فلمه الشهير (جاذبية) اما فلمه الحالي «روما» والذي شاهده ملايين البشر بسهولة بسبب طرحه على منصة نيت فليكس، فقد فاز بجائزة اوسكار افضل فيلم اجنبي في الدورة الاخيرة للمهرجان هذا العام رغم ترشيحه من قبل النقاد للفوز بأكثر من جائزة من بينها جائزة افضل ممثلة لبطلته يالتيزا آباريشيو، وجائزة احسن اخراج، او جائزة افضل فيلم ناطق بلغة غير الانكليزية، ومع هذا لا ننسى أن الفيلم حصل بالفعل على جائزة أفضل إخراج وأفضل سيناريو أصلي وافضل فيلم ناطق بلغة غير الانكليزية في جوائز الگولدن گلوب هذه السنة. كما أحرز جائزة الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون (بافتا) لأفضل فيلم.
روما ، سيرة ذاتية، ليس للمخرج بذاته، رغم انها يغوص عميق في ذاته، لكنها سرد لأحداث تجري في بيت آخر لعائلة من العوائل البرجوازية الصغيرة مع تركيز تام على حياة الخادمة وعلى عملها المضنى الرتيب في هذا البيت والذي يبدأ مع ضوء النهار الى وقت نوم العائلة المخدومة، اطلالة باذخة على حياتها العاطفية، على عواقب هذه العلاقات وما يصاحبها من أحداث تشكل هيكل هذا الفلم الملفت للانتباه.
فيلم روما مغامرة فنية مغايرة تماما للإنتاج السينمائي السائد mainstream ، بدءا من لجوء المرج إلى الأسود والأبيض، مرورا باختيار الممثلين بطريقة مقاربة للناس العاديين، وكذلك من خلال موضوعه او رؤيته الاساسية التي تسلط الضوء على حياة الخدم المنزليين وصولا لأسلوب السرد narrative الخالي من الانفعالات والانقلابات المفاجئة غير المبررة ..
هذا الفلم يكسر الحاجز بين الروائي والتسجيلي ويمزجهما معا في رحلة تتقاطع عبر مرحلة من تاريخ العنف في المكسيك، مرحلة من تاريخ الفقر والصراع الطبقي في بلد يعيش أزمات سياسية واجتماعية بنيوية منذ نشؤه. التصوير في الفلم مذهل وأخاذ وهو النقطة الأقوى والأبرز الذي يجذب بسهولة أي شخص مهتم بالبصريات. لكن الفلم من جهة اخرى صعب ايضا ويحتاج من المشاهد بعض الصبر للدخول الى عالمه الخاص ربما لأن عقول المشاهدين وأذواقهم اعتادت للأسف نوع سائد من السينما، لايتعلق الامر بالتصوير بالأسود والأبيض وحسب انما التركيز في موضوعه الملفت على حياة الخدم البسطاء وكذا المظهر العادي غير الجذاب للشخصية الرئيسية مرورا بالبطء الملحوظ «المقصود» في السرد. شخصيا إلى نهاية الفلم كنت مقتنعا ان بطلة الفيلم ليست ممثلة متمرسة بل ربما خادمة حقيقية او ممثلة ناشئة تلعب الدور وذلك من فرط انغماسها التلقائي والطبيعي في تقمص الدور( شخصية كيليو التي ادتها الممثلة الشابة يالتيزا آباريشيو)، وتجسيدها الرائع لسذاجة الخادمات المنزليات البسيطات المليئات بالمحبة والإخلاص للعائلات التي يعملن لديها، كل هذا، هو ما فتن النقّاد في هذه التحفة السينمائية للمخرج الفونسو كوارون، والمشاهد الذكي وحده من يستطيع التماهي في مشاهدة مغامرات سينمائية مختلفة مثل هذه تتحدث بتأن إلى عقله وعواطفه، هذا ناهيك عن الرسالة الإنسانية الملهمة في هذا الفلم من خلال العلاقة الانسانية الجميلة التي تربط الخادمة بالعائلة التي تعمل لديها وإدانة العنف اليميني ضد الطلبة اليساريين، كل هذا جاء من خلال سرد هادئ ومن دون حبكة ظاهرة، شريط يتسلل بهدوء للمشاهد مخاطبا عقله وروحه، فيلم يمكنني أن أعتبره فلما تربويا إلى حد كبير، انما بطريقة مختلفة تماما عن الخطب المعتادة..