ابتداءً ، لم يكن اختيار العنوان لهذا المقال ، هو بقصد المقارنة بين كارثة عبّارة الموصل التي وقعت في الحادي والعشرين من شهر اذار ٢٠١٩ ، وبين غرق سفينة تايتنك الانكليزية صباح ١٥ نيسان ١٩١٢ ، انما مشهد غرق العبّارة في نهر دجلة يشبه في بعض تفاصيله غرق تايتنك في المحيط الاطلسي .
والفارق ان عبّارتتا غرقت بعد دقائق قليلة من بداية رحلتها القصيرة ، فيما كان غرق تايتنك ، بعد اربعة ايام من ابحارها ..ولهذا اقول ، قد تكون المقارنة غير منطقية بين حدثين تفصل بينهما مساحة زمنية تزيد عن مئة عام ، الا في بعض الجوانب البسيطة ، فالسفينة الانكليزية غرقت بسبب جبل جليدي ، فيما جاء غرق العبّارة ، نتيحة اصطدامها بجبلين وليس جبلا واحدا !! ، هما جبلا الجشع والفساد ، اللذان اوجدا جبلا ضخما تمثل بسوء الادارة ، ما تسبب في وقوع هذه الكارثة المرعبة التي لم يشهد لها العراق مثيلا في تاريخه ، اذ لم يسبق لنهر دجلة او حتى الفرات ان ابتلعا عبّارة يركبها هذا العدد الهائل من البشر ..
ولكن ، ماجدوى الكلام والوصف او حتى اظهار معالم الحزن ، بعد ان وقعت الكارثة وحلّت المصيبة ؟ ..قطعا ، ما كان بالامكان تحمل هول المصيبة ، فمن ذا الذي يمكنه ان يحبس حزنه او يمنع دموعه من الانهمار ، وهو يرى تلك المشاهد المأساوية لاطفال ونساء وشباب ابلتعهم نهر دجلة في طرفة عين ، حتى اني استأذنت من الجواهري ان اتصرف في احد ابياته ، فقلتُ (يادجلة الموت ياقبر المساكين) .. لذلك ، نقول ، ان علينا ان نناقش الاسباب. ونعالج المشكلة ، وإن لم نفعل ذلك فعلينا ان نتوقع وقوع كوارث اخرى ليس بالضرورة ان تكون غرق المزيد من العبّارات..
وما يزيد من حدة الالام ، هو ذلك الاستغلال السياسي البشع للمأساة ومحاولة استثمارها لتحقيق مكاسب سياسية رخيصة على حساب الضحايا ، فقد تحول مسار القضية من المطالبة بكشف ملابسات الحادث ومعاقبة المقصرين ، الى تماحك سياسي بين هذا الطرف وتلك الجهة ، وتمكن المتصارعون من جر مواقع التواصل الاجتماعي الى ساحة صراعهم ، حتى كدنا ننسى الكارثة ، وهي طرية ، اذا مازال البحث جار عن المفقودين وثمة آمال تدغدغ مشاعر ام مكلومة او اب مفجوع في العثور على طفل او طفلة مازالوا احياءً.. ولولا تدخل الرئاسات الثلاثة والزيارة السريعة للدكتور عادل عبدالمهدي الى موقع الحدث ، تبعتها زيارتان لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وعدد من الوزراء ، وما نجم عن تلك الزيارات من اجراءات مهمة ، لكانت مسارات الاحداث تمضي باتجاهات اخرى ، قد تجرفنا الى مساحات بعيدة ، كما جرف نهر دجلة ضحاياه الى مناطق بعيدة جدا عن من منطقة وقوع الكارثة ، ولعل واحد من الاجراءات المهمة التي اوقفت تداعي الاحداث ، هو استجابة مجلس النواب السريعة لطلب رئيس الوزارء باقالة محافظ نينوى ، وإن لم تكن الاقالة على خلفية غرق العبارة ،بل على قضايا فساد سابقة ، ولكن تزامنها مع الحادث ، اسهم في لجم جماح التداعي الذي ارادت له بعض الاطراف ان يحدث .
ان معالجة اثار المأساة بجميع ابعادها ، وضمان عدم تكرارها او مايشابهها في المقبل من الايام ، هو ان يصار الى محاكمة الفاسدين وتفكيك مافيات الفساد التي تسببت بما حدث ، واقالة العاكوب ومن معه ستكون مفتاحا مهما في اجراء هذه المعالجة ، اذ سيشعر كل الفاسدين انهم ليسوا بمنجى من الحساب والعقاب ، وامر اخر شديد الاهمية ، هو الصرامة في تطبيق الانظمة والقوانين ، فلو كانت مثل هذه الصرامة متوفرة ، لما تجرأ القائمون على جزيرة الموصل السياحية بارسال الناس الى النهر في ايام غضبه ، على الرغم من التحذيرات والتعليمات الصادرة بهذا الاتجاه .. ومهم ايضا ان يكون هناك تشديد ومراقبة ومتابعة لتطبيق شروط السلامة والامان في جميع مفاصل الحياة ، ومنها الاماكن السياحية ، اذ لو كانت لدينا مثل هذه الاجراءات ، لما سُمح لعبّارة الموصل المتهالكة ان تتحرك قيد انملة وتتسبب بهذا العدد من الضحايا الذين لم يدركوا خطورة الموقف ، على الرغم من عددهم الكبير الذي اكتظت به العبّارة التي لاتزيد طاقتها الاستيعابية عن ٥٠ شخصاً .
وقبل هذا وذاك ، على الحكومة ان لاتنسى شهداء العبّارة ومصابيها ، من عطفها ورعاية لما تبقى من اسرهم ..
عبدالزهرة محمد الهنداوي