بقلم: بنجامين هَيل
ترجمة زيد الشهيد
مع البدايات الأولى لمسيرة السينما، كان ثمّةَ شاب من انجلتر اسمه تشارلي شابلن، تحدوه الرغبة وبشدة في أن يكون أمام الكاميرا في كل وقت، قائلاً إنه سيعمل على ابتكار شخصية يعشقها العالم بأسره، وكانت لدى هذا الشاب نفسه شخصية فريدة من نوعها، قادرة على التقاط جوهر كل رجل، مستخدماً قدراته في التمثيل لتحويل عواطفه ومشاعره إلى حضور جسدي قوي، ولقد أحدث هذا الشاب تغييراً في طبيعة الفيلم السينمائي فأصبح واحداً من أشهر النجوم في عصر السينما الصامتة حتى يومنا هذا؛ إذ قيل أنْ ليس ثمّةَ ممثل آخر مشهورٌ مثل تشارلي شابلن.
ولد تشارلي شابلن وترعرع في مدينة لندن في عام 1893. وكانت تلك الفترة الزمنية واحدة من المصاعب التي كان لها ثقلها على الفتى الصغير، فوالده توفي في وقت مبكر جدا كان فيه تشارلي في سن العاشرة تقريبا، وتُرِك الصبي ليعتني بنفسه مع أمه فباتَ ذلك الوقت مظلمًا وعصيباً عليه، حيث كانت والدته تقيم في مصحة لمعاناتها من مشاكل في قواها العقلية سببتها الحالة السيئة لمرض الزهري الذي اصيبت به، فتُرك تشارلي يدافع عن نفسه في ذلك الوقت، ولم يتمكن من نيل الراحة مع والدته بعدما أقرت حقيقة عدم عودتها إلى حالتها الطبيعية التي تمكّنها من رعاية الصبي. فاضطر مُجبراً على العيش في دار للأيتام والسعي للحصول من مدرسةٍ مخصصة للفقراء على قدر ولو قليل من التعليم.
وعلى الرغم من الواقع الصعب الذي أتى منه فقد قدم والديه هدية جميلة له تمثلت بمنحه الحب للتمثيل، فوالده كان مطربًا، ووالدته مغنية وممثلة، وبهذا انتقلت موهبتهما المشتركة إلى الشاب شابلن فجعلته مفعم برغبة أن يعتلي المسرح في يوم من الأيام.
لذلك، بزغت موهبته في الأداء في سن مبكرة، إذ كان ناجحًا. سرعان ما أسرت جاذبيته وطاقته وحماسه الناس في مجموعة متنوعة من المسرحيات المختلفة وعروض الفودفيل (المسرح الهزلي) التي قدمها، وبنجاحه في هذا اللون من العرض تلقى دعوة للقيام بجولة في جميع أنحاء أمريكا مع شركة « فريد كارنو» للكوميديا، مقدماً أدوار كوميدية تمثلت بشخصية مرحة تصور شخصاً أحمقاً في حالة سكر. سرعان ما استحوذ أداؤه الكوميدي على اهتمام العديد من الأشخاص فتمت دعوته للقيام بدور تمثيلي في فيلم نال عليه أجراً حسب وقتها عالياً.
في ديسمبر 1913، التحق بشركة كيستون Keystone للتصوير السينمائي على أمل الاشتراك في عمل فيلم سينمائي، وكان التحاقه بالشركة المذكورة هو الذي طور شخصيته الكلاسيكية الشهيرة، المعروفة باسم المُتشرِّد (tramp).
اشتهر تشارلي شابلن بتقديمه شخصية المتشرد الذي هو رجل كوميدي يرتدي بدلة، مع شارب قصير وقبعة طويلة وسروال واسع وعصا، ولم يكن ذلك الابله أكثر من مجرد شخص كوميدي هزلي يعتمد حركة الجسد، كان متشردًا بشكل أو بآخر يرتدي ملابس غريبة ويتصرف كما لو كان رجلًا نبيلًا على الرغم من حقيقة أنه كان مُهرجًا بائساً، كانت هذه الشخصية محورية للغاية لعصر الفيلم الصامت بوصف أنَّ من يؤديه انما يؤدي دورًا بدنيًا ينتفي فيه الحوار، لهذا استحوذ تشارلي شابلن على خيال وتعاطف الملايين بشخصيته هذه التي ستظل وتستمر كواحدة من أكثر الشخصيات الأسطورية في عصر السينما الصامتة.
مع شركة Keystone لصناعة الافلام توجّه شابلن أيضاً إلى التركيز على تعلم كيفية الاخراج السينمائي يحدوه شعور بضرورة الكمال إلى حد ما في ما يخص إنتاج الأفلام، ولم يكن يكتب المشاهد التي يؤديها عملياً أمام المشاهدين او الكاميرا فعملية انتاج واخراج الفيلم بنظره عملية تورط بشكل لا يصدق، لذا كان يقضى معظم وقته في التركيز على إنشاء مشاهد كوميدية عضوية فعالة؛ كان تركيزه في تقديم المشهد منصباً على الافكار بدلاً من كتابة النصوص الكبيرة المغرقة في التفاصيل، فعلى سبيل المثال، كان لديه مشهد يُعرف باسم «رجل يدخل في حانة «: وكان هذا يتطلب رؤية خاصة يريدها هو في المشهد . وهذه الرؤية كانت تستدعيه انشاء مئات الطلبات، أو الآلاف إذا لزم الأمر من أجل أداء تمثيلي يؤديه الممثلون بطرقة ناجحة تفي غرضه، وعملية كهذه كانت تفرض ضرائب شديدة على كل من يشارك في الفيلم، لكن شابلن لم يهتم حقًا، كان لديه خاصية تمويل افلامه من ماله الخاص ما منحه هامش في تخصيص أكبر قدر من الوقت لكل إنتاج، ومن هنا أصبحت أفلامه ناجحة للغاية اعتماداً على هذه الرؤية، وتمتعاً بالمزايا المالية التي يتمتع بها لتسير خياراته.