علوان السلمان
السلطة نمط تاريخي منغمس في ميثولوجيا الحكم والسطوة بعيداً عن واقع الحياة والمتغير.. تشغلها الايديولوجيات السياسية والاجتماعيات الخلافية من دون ان تقدم شيئاً سوى انها قدمت مائدة جديدة للثقافة العراقية الا وهي مائدة (الارهاب الثقافي ) والمذابح والازمات للشعب العراقي.. متناسية حقيقة المثقف العراقي الذي يشكل بنية المتغير بتأمله وتخطيطه لمدينته الفاضلة بدقة .. فيبدع منتجاً.. فاعلاً مؤثراً.. لذا فالعلاقة والمتغير تشكل اهمية قصوى لاحتياج الناس للمعرفة والحوار وتجاوز الايديولوجيات السياسية التي تنشر سيطرتها على الشارع من دون ان تقدم شيئاً..
فالمثقف يعي بشكل تام ضرورة جعل الثقافة وسيلة لايجاد مجتمع يحل فيه التسامح والتنافس بالوسائل السلمية محل الصراع.. مجتمع يقوم اداؤه الوظيفي على مبدأ الاتصال والحوار والتسوية العقلانية.. أي مجتمع يفهم التجاذب السياسي والاجتماعي بما يحقق المصالح الوطنية من دون ان تمزقه الايديولوجيات السياسية المستبدة.. كون المثقف لايصور الحالة الواقعية لمأساة الوطن بل الوقوف بكل الوسائل المتاحة لتجاوز هذه الحالة المأساوية العنيفة وتحقيق السلام الاجتماعي.. فالهجمة اليوم على العراق جزء من استراتيجية محكمة من اجل زعزعة الاستقرار واستئصال الجذور التاريخية للعراقيين بزرع الفرقة والطائفية ومنع حركة البناء والازدهار .. لذا فالمثقفون يؤيدون المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الذي يستهدف رموز الوطن الفاعلة ورسالته الحضارية واخماد شعاعه الانساني الذي لا تحده حدود.. ويقفون سداً منيعاً ضد الارهاب لانهم يدركون انه مرض سرطاني زرعته اياد خبيثة ممكن ان تتعدى عدواه الى بلدان اخرى تحت غطاء ديني خارج عن نطاق الاسلام دين المحبة والسلام..
فالثقافة اذن وسيلة للارتقاء الروحي والمعرفي لخلق الموازنة الحياتية وحافز لتطوير المجتمع..والنخبة المثقفة هي التي تقود المجتمع الذي تنتمي اليه وتحقق رقيه وتطوره بمقدار مساهمتها الفاعلة من خلال احتكاكها بالطبقات والفئات الاجتماعية ونزولها الى ادنى المستويات المعرفية في المجتمع لانها وعي ومعرفة واختراق مجاهيل الواقع بتوظيف مخزونها الفكري الذي جاء نتيجة(حس بصري او سمعي)..اذ ان اهم مساعي المثقف لتطوير ذاته هو السعي لمعرفة نفسه..
فهي تؤدي دورا محوريا في بناء الشخصية الوطنية بتشكيل وعي يسهم في صياغة واعادة بناء التركيبة الاجتماعية للوجود الانساني..وذلك عبر تنمية هذا الوعي ومن ثم تعميق الزمن الفكري من اجل الاستقرار وتدعيم الوحدة الوطنية..فهي تخلق وعيا باهمية الوطن ومكانته..والمثقف هو الذي يستوعب ويدرك مفهوم المواطنة التي تستند الى العدل والمساواة وقبول التعددية..لذا كان دوره تأسيسيا ومفصليا في الثورة ضد الافكار الفئوية والمناطقية والمذهبية..من اجل خلق مفهوم تعايشي تسامحي تحت مظلة الوطن الواحد بلا حواجز ولا قيود تعوق التواصل الاجتماعي بين مكوناته المجتمعية..
فالثقافة تعد رافدا تنمويا لجميع المجالات الفكرية والعلمية بحيث تمثل قنواتها محاكاة لشرائح المجتمع وانساقه…لتحقيق شموخ البناء الكلي له…انها تعميم لا تشخيص..كونها مجموعة من القيم التي تنبثق منها انماط من السلوك الذي يؤسس لعلاقات انسانية..
لذا فان دور الثقاقة في تعزيز الوحدة الوطنية جوهري يبدأ من معرفتنا ان الثقافة(تصنع وتنمو في الوعي الجمعي..)ومن هنا فان المثقف المنتمي ينطلق بوعيه وحركته على صعيد الواقع من منطلق الدفاع عن الشخصية الثقافية في وجه التحديات ورفض ازمنة التشطير للحفاظ على الهوية الوحدوية..من خلال تقديمه التصورات والرؤى التي تساعد على تسريع التحول الديمقراطي..فضلا عن تعزيز الوعي من خلال اعمام ثقافة السلام ونبذ العنف والتاكيد على الوحدة الوطنية والمجتمع المدني الفاعل والايجابي في النهوض بمسؤولياته..لذا فاعمام ثقافة الحريات والحقوق المدنية ضرورة ينبغي القيام بها من اجل انتصار ثقافة التسامح والاخوة ومن ثم تعزيز الهوية الوطنية والديمقراطية على مبدأ الولاء للوطن..
ولا يفوتنا ما للمناهج التعليمية من اثر ثقافي ومعرفي كونها حلقة وصل بين التربية كفلسفة واطر نظرية وفكرية تبنى على اسس قيمية واجتماعية ونفسية ومعرفية..وبين التعليم الذي يتم من خلاله تحقيق الاهداف التربوية التي توجه الناشئة نحو السلوك المؤدي الى تكييف الفرد مع ذاته ومحيطه لتحقيق المواطنة الصالحة..
لذا ينبغي حرص القيادات التربوية على ان تجعل من المنهج مادة لغرس مباديء الوحدة الوطنية وتجذير الولاء الوطني ورفض الانجرار صوب النزعات الطائفية والقبلية والمناطقية..وهذا لايتم الا بتضافر الجهود المؤسساتية من اجل انجاز منهج يعزز الهوية الوطنية ويكرس للعلم الاجتماعي..
كون المناهج التعليمية تعد احدى الوسائل والادوات الرئيسة في غرس القيم الوطنية التي تربط الانسان بعالمه وتقوم بشحن ذهنيته وتفكيره بالمعارف التاريخية والاجتماعية والوطنية والانسانية.. لذا فهي المخصب الاساس للذهن والذاكرة ازاء تمسكها بقيم الوحدة الوطنية وهي المسؤول عن ترسيخها وتنميتها..فضلا عن انها تعمل على ترسيخ القيم ذات العلاقة بالمبدأ الوطني من خلال مقومات المعرفة الوجدانية التي توجه سلوكيات الافراد والجماعات الى ميادين العمل ومضامير الانجاز..
من كل هذا نستنتج ان المثقف يعي اكثر من السياسي انّ لمّ الشمل وتنقية الاجواء من سموم الانانية والحقد اللاواعي مطلب تاريخي من اجل دفع القدرات الوطنية الى الامام.. ومن ثم بناء وطن معافى يعيش ابناؤه بسلام ومحبة..
فالمثقف اليوم يردد مع الزعيم الهندي غاندي (لا اريد لبيتي ان تحيط به الاسوار من كل جانب وانما اريد بيتا تهب عليه بحرية ثقافات الدنيا باسرها لكن من دون ان تقتلعني احداها من الارض..)