بيْن الكِتاب والوَلَد

-1-
هناك حسرة كبيرة يعيشها من يُبتلى بالعُقم ، من الرجال والنساء على حدّ سواء ، ذلك ان غريزة الأبوة والامومة من الغرائز القوية عند الجنسين .
-2-
انّ غياب الولد عن مسرح حياة الأُسرة يلّون أيامها بلونٍ قاتم مثير للكآبة والوحشة في كثير من الأحايين …
-3-
وكاتب السطور هو واحد من اولئك المحرومين من الاولاد
اسمعه يقول :
ليس لي مِنْ وَلَدٍ يَخْلُفني
وبه أمتّدُ مِنْ بَعْد الوفاةْ
كَمْ تمنيتُ بأنْ أسمَعَهُ
ضارِعاً يَذْكرُني عند الصلاةْ
فالولد يشكل امتداداً طبيعياً لأبيه ، والولد الصالح –بالذات- هو احدى الذخائر الكبرى لأبويه .
ويتمنى الآباء ان تنالهم دعوات أبنائهم الصالحين في حياتهم وبعد موتهم.
-4-
يُعمد فريق من الرجال الذين لا يُرزقون الاّ الإناث، الى الزواج بالثانية وربما الثالثة والرابعة ، وقد لا ينالون ما يريدون …
ومن أروع ما قرأتُ في هذا الباب :
ان الامام الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) حين أحَسَّ بِتَبرم أحدهم من ولادة ابنَتهِ ، سأله قائلاً :
لو قيل لك في أمر من الامور :
أنتَ تختار أمْ يختار الله لك فماذا تقول ؟
قال :
اختيار الله هو الأحسن
فقال له الامام (ع) :
فقد اختار لك ..
هذا هو مضمون الرواية ولم ننقلها بنصها الحرفي .
المهم أنّ جنس المولود مرتبط باختيار (الربّ) لا (العبد) وهذه الحقيقة لابُدَّ ألا تُنسى …
-5-
ورسول الله (ص) وهو أعظم انسان أطلّ على سطح هذا الكوكب ، لم يعش له ولدٌ من الذكور ، وشاء الله أنْ يكون نسله المبارك من ابنته الزهراء البتول فاطمة (عليها السلام) …
-6-
والتعويل المطلق على الذُريّة مسلكٌ محاط بكثير من التفاؤل غيرِ المدروس، حيث أنّ الاولاد في بعض الأحيان لا يكونون الاّ سُبّةً لوالديهم ، لفرط ما يجترحونه من مظالم وآثام ..!!
نعم
ليس كلُّ الأولاد على نهج واحد من الصلاح والاستقامة والالتزام بما يعود على والديهم بالنفع وربما تمنوا في بعض الأحيان – ان لا يكونوا قد رزقوا بمثل أولادهم ..!!
-7-

والسؤال الآن :
هل يمكن التعويل على غير الاولاد في بقاء الذِكر الحسن ، والنفع الحقيقي ؟
والجواب :
نعم
انّ الكْتُب التي يؤلفها العلماء الربانيون هي من أهم الذخائر لهم في الدنيا والآخرة .
اننا اليوم نقرأُ كتبَ علماءٍ أجلاّء تفصلنا عنهم قرون وقرون .
فالعلماء باقون بآثارهم وفكرهم ، وما خطوا من صحائف ثمينة في مضامير العلم والأدب والمعرفة والاخلاق …
-8-
ومن مشاهير العلماء الذين لم يرزقوا بأولاد ذكورٍ هو المرحوم آية الله العظمى الشيخ محمد جواد البلاغي – وهو من اساتذة الامام الخوئي – وظلّت آثاره العلمية النفسية تنطق بفضله ، كتفسيره للقرآن المسمى (بآلاء الرحمن) وكتبه العقائدية الشهيرة (الهدى الى دين المصطفى) والرحلة المدرسية وغيرها .
ومن هنا قال العلاّمة الكبير المرحوم السيد رضا الهندي –في رثائه:
إنْ كُنْتَ لَمْ تُعقبْ بنينَ فكلُّ مَنْ
يهديهِ رُشدُكَ فهو منكَ توّلَدَا
وبالفعل فان كُتب الشيخ البلاغي وما أودعه فيها من افكار نيّرة، وبحوث قيّمة تجعلُ كل المنتفعين منها أولاداً له ، ولكنهم ليسوا أولاداً صُلْبيين..!!
-9-
والفرصة متاحة لكلّ القادرين على الإثراء الفكري والروحي والعلمي والاخلاقي والأدبي أنْ يكون لهم أولاد كثيرون لكن عَبْرَ كُتُبِهِم وانتاجاتهم المتمّيزة .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة