الدواعش جبناء ويتهربون من القتال ويبحثون عن الجواري

ناجية ايزيدية تكشف بعض خبايا عناصر داعش (2 ـ 2)

الصباح الجديد ـ نينوى:

كشفت ناجية ايزيدية امضت اكثر من 3 سنوات بقبضة داعش، عن وجه اخر لبعض من باعوها واشتروها، مبينة ان بعضهم جبناء، واخرين يبحثون عن الاموال واخرين يبحثون عن الجواري.
وفي هذا الجزء تتابع هذه الناجية روايتها….
خلال فترة بقائها عند المسلح الإماراتي، تسنت لها فرصة الذهاب إلى السوق لتبيع الذهب وتبتاع بثمنه هاتفاً محمولاً. هذا الهاتف كان منقذاً لها وفي الوقت نفسه وبالاً عليها. حيث بدأ سؤال يدور في رأس ليلى باستمرار، وهو كيف تستطيع أن تتصل بأخيها؟، تم الاتصال وتبادلت الكلمات مختلطة بالدموع والخوف، وتلته اتصالات في الأيام التالية، حتى قال لها أخوها: “لدي خطة جيدة لإنقاذك”.

تظاهر أخي بأنه داعشي
“لكي لا أفسد خطة أخي، كان علي أن أحافظ على هاتفي المحمول وأحاول البقاء عند الإماراتي، فقد أطلق أخي لحيته وحصل على زي كزي مسلحي داعش، ولم يمر وقت طويل حتى وصل إلى الرقة. كان يريد البقاء فترة هناك، ثم يأتي إلى الإماراتي على أنه مسلح من داعش يريد شراء جارية، ويشتريني منه، وكانت اتصالاتنا مستمرة خلال تلك الفترة، للتأكد من سير الخطة كما رسم لها”.
الحرص على عدم إفشال خطة أخيها كان مثار استغراب المسلح الإماراتي، فلم تعد ليلى الجارية العاصية المتمردة.
بعد كل المآسي التي تعرض لها الإيزيديون على يد مسلحي داعش، أصدر البابا شيخ، شيخ خرتو حجي إسماعيل، المرجع الديني الإيزيدي العالمي، فتوى أعلن فيها أن على كل الإيزيديين استقبال النساء والفتيات اللواتي كن أسيرات عند داعش وتم تحريرهن “والتعامل معهن وكأن شيئاً لم يكن، لأن ما حصل لم يكن بإرادة منهن”.
بعد تلك الفتوى، تقبل أغلب الإيزيديين بناتهم ونسائهم المحررات من قبضة داعش، لكن البعض لم يكن على استعداد لقبولهن برغم الفتوى، وقد وصف البابا شيخ هؤلاء الأخيرين بـ”الجهلة”.
تعرض الإيزيديون، على مر التاريخ، إلى الإبادة الجماعية 74 مرة، ويسمون تلك العمليات بـ”فرمان”، وخلال واحدة من تلك الفرمانات، جرت قبل 150 عاماً، تم سبي 1200 فتاة إيزيدية وتوزيعهن على الأمراء وقادة الجيش العثمانيين، ويقول البابا شيخ لو أن صوت المراجع الدينية الإيزيدية وصل حينها إلى أتباعهم لأصدروا الفتوى الحالية نفسها.
في نهار مشمس من آذار 2017، أخبرها أخوها بأن خطتهم تجري بالصورة التي رسموها وأنه اتصل بالإماراتي ليشتري منه ليلى، وقال لليلى عليك أن تتماسكي عندما نلتقي وأن لا تبدي أي عاطفة نحوي لكي لا يفتضح أمرنا.

خمسة آلاف دولار مزور
طلب الإماراتي من ليلى أن تستعد وتلملم حاجاتها لأنه سيبيعها لمسلح داعشي آخر. كانت تلك البيعة الأولى التي ترغب ليلى أن تتم وتعد الثواني لإتمامها. حلت ساعة اللقاء… لقاء صعب لا يعرف فيه أخت وأخ كيف يكبتان بركان غضب ودموع سنوات من الفراق. ليلى يا أختي الجريحة ألف جرح، أهذا أنت؟
لكي تبعد الشك عنها، تظاهرت ليلى للإماراتي بأنها لا تريد رؤية المشتري الجديد، وقالت له أريد البقاء عندك، لكن الإماراتي قال غاضباً: لست أنت من تتخذين القرار هنا “وقال لي إن لم تكوني تريدين الذهاب إلى هذا الزبون، هناك مغربي يريد أن يبتاعك، وسأبيعك إياه، فخفت كثيراً وقلت لا، سأذهب مع هذا”.
دسّ أخ ليلى يده في جيبه وأخرج حزمة دولارات وبدأ يعدها. عد منها خمسة آلاف دولار ودفعها للبائع. كان الألم يعتصر قلب ليلى لحظتها، وتتساءل بأي حال استطاعت عائلتها تدبير هذا المبلغ الكبير لشرائها، من دون أن تعلم أن أخاها جلب معه عملة مزورة، “تم عقد زواج الجواري بيني وبين أخي وجاؤوا بشاهد، وقالوا لأخي لقد اشتريت جارية مطيعة ونتمنى أن تقضي معها وقتاً ممتعاً”، فابتسم أخوها ابتسامة لا يفهمها غير ليلى وربهما.
تعجبت ليلى من تصرفات أخيها “كان قد اختار لنفسه اسماً داعشياً وكان يتصرف كالدواعش، حتى حركات يديه وأصابعه كانت كحركاتهم”.
كان هدر الوقت بمثابة الاقتراب من شفرة سكين داعش، وكان على ليلى وأخيها أن يرحلا عن الرقة بأسرع ما يمكن “سرنا نحو ثلاثة أيام، لم تعد رجلاي تقويان على حملي، تمزقت أحذيتنا، وأدميت أقدامنا”.
كانا قد خالفا قوانين داعش مرتين، فقد خدعهم أخوها، كما جاؤوا بعملة مزورة إلى سوق داعش، لهذا كان قطع رقبتيهما حتمياً في حال إلقاء القبض عليهما. لهذا وكلما وصلا إلى مكان جديد، غير أخوها اسمه. الحرية هي أحلى مكاسب الحياة، لكن الطريق إليها مر وصعب. كان الطريق خطراً بسبب تردد العربات العسكرية لداعش والتي كانت تذهب إلى ساحات المعارك وتعود منها. لكن الطريق في الوقت نفسه كان طريق الحرية لليلى. نجيا في الأخير، وتنفست ليلى هواء الحرية من جديد بعد 33 شهراً.
في أواسط تشرين الأول 2018، وصل عدد من الايزيديين في طائرة إلى مدينة مومباي الهندية، وفي قاعة كبيرة ملأى بأشخاص يرتدون أزياء مختلفة، كان أغلب الأنظار موجهاً إلى وجه امرأة حزينة. ثم دعيت تلك السيدة لتتحدث إلى الحضور: “أنا ليلى… ألقى داعش القبض على 19 من أفراد عائلتنا، وتم تحرير عشرة منهم بجهود رئيس وزراء إقليم كردستان. قصتي هي قصة معاناة وآلام كل إيزيدي…”
كانت ليلى تتحدث برزانة وبعبارات مختصرة، وكانت كل واحدة من كلماتها تعبر عن مجموعة من الأيام والليالي المثقلة بالآلام والجراح. ثم توجهت لتسلم جائزة “الأم تيريزا” يرافقها التصفيق الحار والحماسي من جانب الحضور.
على مسرح ذلك اليوم المهيب، أطلقت ليلى رسالتها: “انقلوا أخبار هذا الظلم إلى العالم”.
لم أعد الآن بحاجة لتخبرني ليلى عن سبب تعليق عينيها بصمت على الصورة المعلقة على ذلك الجدار المنهك. الصورة كانت قطعة من روحها التي اغتيلت ألف مرة وقتلت. لقد اطمأنت ليلى الآن إلى أن قصتها أصبحت معروفة، لكن الخيمة المهترئة التي تذلها رياح الشتاء الباردة، لا تسمح لها بالتفاؤل ولو لدقائق قليلة.
ـ مصر: رووداو عربية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة