رحلة ستين عاماً من التكية الى قصر السلام
( لقاء العمر)
الحلقة 55
تضع “الصباح الجديد” بين يدي القارئ الكريم ما يمكن أن يوصف بمذكرات للرئيس الراحل جلال طالباني، وتتميز المذكرات وهي عبارة عن بوحٍ متصل للأستاذ صلاح رشيد، بأنها صورة مفصلة بل تشريح سياسي لمرحلة حاسمة في تاريخ العراق تشمل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى يومنا هذا.
وعلى عكس ما عُرِف عن مام جلال من دبلوماسية ونزوع نحو التسويات التي عرف بها خلال ثماني سنوات من جلوسه على مقعد رئاسة الجمهورية العراقية، فأنه على العكس من كل ذلك يدلي بآراء في غالبيتها إشكالية، ونحن لا نتحدث عن المعلومات وسرد المعطيات التاريخية لعلاقته بصدام حسين وفرقه المختلفة للتفاوض مع الاكراد، بل أنه يتجاوز الى العلاقة مع إيران وسوريا والولايات المتحدة وبقية الأطراف التي كان لها تماس مع الملف العراقي في مراحله المختلفة، لكننا نتحدث عن الآراء المتعلقة بالشخصيات التي رافقته خلال مرحلة بناء الاتحاد الوطني الكردستاني وتشكيله للبؤرة السياسية في اعقاب عام (1975م) وهزيمة الثورة الكردية أثر اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام.
وتشكل المذكرات إنارة معمقة للطريقة التي اتبعها مام جلال في معالجته للتحديات والحلول التي خرج بها لتجاوزها، ولكنها لا تخلو أيضًا من اضاءة البعد الشخصي لمام جلال مما يساعد في نهاية المطاف الباحثين السياسيين والمواطنين على حد سواء العرب والاكراد على الاطلاع على أسرار لم يجرِ التطرق اليها في الماضي.
وغني عن القول أننا في “الصباح الجديد” نعدّ هذه المذكرات شهادة تاريخية من شأنها أن تستكمل المشهد السياسي العراقي الراهن، وهي تنطوي على مفاجآت وطرائف لا يمكن لأحد من خارج الدائرة الضيقة لمام جلال أن يطلع عليها.
“الصباح الجديد” سوف تنشر القسط الأساسي من هذه المذكرات، وهي لا تتحمل مسؤولية أي آراء قد تنطوي على بعض القسوة هنا وهناك، وستحاول تخفيفها بقدر الإمكان، ونأمل أن يتجاوب الساسة الكرام في كردستان وفي الفضاء العراقي من خلال هذه العملية ويسهموا بدورهم في إضاءة بقية المشهد.
إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني
* بعد إعلان النتائج الرسمية لانتخابات البرلمان كيف توصلتم الى فكرة المناصفة المعروفة بـ “الفيفتي فيفتي”؟
– رفض مسعود البارزاني نتائج الإنتخابات وأصدر بيانا قال فيه “لا أعترف بنتائج هذه الإنتخابات”، و أصدقاؤنا في الخارج نصحونا بالتوافق و حل المشكلة دون إحداث الجلبة، فذهبت الى مسعود و تباحثت معه، وكان الأصدقاء قد نصحوه أيضا بالإتفاق، وفعلا إتفقنا على أن نعقد إجتماعا مشتركا ونعلن قبولنا لنتائج الإنتخابات، ثم نوزع المقاعد البرلمانية مناصفة بيننا بواقع 44 مقعدا للإتحاد و44 للبارتي مع تخصيص 12 مقعدا للأحزاب الأخرى، ولكن تلك الأحزاب رفضت ذلك وطالبت بـ24 مقعدا، فلو قبلوا بالعدد المعروض عليهم، تذهب أربعة مقاعد للأحزاب الإسلامية، وتوزع الباقي على الأحزاب الأخرى مثل الحزب الإشتراكي الكردستاني مقعد أو مقعدان، والحزب الشيوعي مقعد واحد وأخرى لبقية الأحزاب، وبسبب رفضهم أضطررنا الى إعادة توزيع المقاعد مناصفة بيننا والبارتي بواقع 50 مقعدا لكل منا، على شرط أن نجري بعد عدة أشهر إنتخابا آخر أكثر شفافية وتنظيما. المهم أننا حققنا هدفنا بإبلاغ العالم بأننا الشعب الكردي قادرين أن نجري إنتخابات وندير منطقتنا ولايقال بأننا نعيش بفوضى السلطة.
تشكيل الحكومة ورئاسة البرلمان
* وعلى أي أساس تشكلت الحكومة وكيف تم إختيار رئيسها؟
– كان رأي الأخوة في البارتي هو، بما أنني ومسعود لم نحقق النسبة المطلوبة لمنصب القائد، يفترض أن يعدل قانون البرلمان بشكل يجعل من رئيسه ذلك القائد.ولذلك طمعوا برئاسة البرلمان، وظنوا بأن الحكومة ليست ذات شأن وأنها لن تنجح، وإعتقدوا بأن الظروف السياسية والإقتصادية السيئة لا تساعد على أن تقف هذه الحكومة على أقدامها وتتقدم. وبعد مناقشات طويلة وبإصرارنا تمكننا من تغيير إسم (المجلس التنفيذي) الى الحكومة أي (مجلس الوزراء) فهم منذ البداية لم يبالوا بالوزارة ولذلك أخذنا رئاستها وسلمناهم رئاسة البرلمان.
تعيين وزير المالية
* وماهي المعايير التي تم إعتمادها لتعيين الدكتور فؤاد معصوم لرئاسة الحكومة و كذلك الوزراء و وكلائهم و خاصة ممثلي الإتحاد الوطني؟
– في أول إجتماع للمكتب السياسي رشحنا الأخ نوشيروان مصطفى ليكون رئيسا للحكومة، ولكنه رفض، فرشحنا الدكتور فؤاد معصوم وصوتنا جميعها لصالحه.
وأنتخب الوزراء أيضا بالأغلبية داخل المكتب السياسي، ولكن الآراء إختلفت حول مرشح وزير المالية، فأغلبية المكتب السياسي رشحت نزاد أحمد عزيز اغا للمنصب، فيما أصر الدكتور كمال فؤاد وحده على ترشيح صلاح الدين الحفيد. وحول ترشيحه ناقشنا الأمر طويلا وعرضناه للتصويت، وكانت النتيجة خمسة الى نزاد وصوتان لصالح الحفيد، و ولذلك قررنا أن يكون نزاد وزيرا للمالية، ولكن حين صدرت القائمة بأسماء الوزراء وجدنا بأن الدكتور صلاح الدين هو الذي عين بالمنصب، وسألنا الدكتور فؤاد معصوم عن أسباب تغيير إسم نزاد؟ رد قائلا “أنا تسلمت القائمة من الدكتور كمال فؤاد وأعلنتها كما كتبه هو”.
ثم سألنا الدكتور كمال لماذا فعل ذلك أجابتنا “خطأي أحسن من صوابكم”، ومشينا الأمر وأعلنت الوزارة حسب التشكيلة المعلنة.
* إذا جرت إنتخابات جديدة، ما المطلوب فعله لتكون المرآة العاكسة لرغبات الشعب الحقيقية؟
– حددت صلاحيات المجلس الوطني وفقا لإتفاقية واشنطن، فهذا المجلس تنقصه العديد من الصلاحيات التي تتمتع بها برلمانات العالم الأخرى، مثل إنتخاب الحكومة والوزراء، فالبرلمان الحالي يتولى مهامه الأساسية وفقا لإتفاقية واشنطن، ولذلك أتمنى أن تجري إنتخابات جديدة شفافة وحرة بجميع أرجاء كردستان لإنتخاب مجلس وطني ديمقراطي موحد وإلغاء عتبة 7 بالمائة أو خفضها الى نسبة الواحد أو إثنان بالمائة لكي تتمكن جميع الأحزاب من التمثيل داخل البرلمان القادم، وكذلك إتاحة الفرصة أمام التركمان والآشوريين ليكون لهم ممثلهم في البرلمان.
إستشهاد صادق شرفكندي
* في 17/9/1993 عقد مؤتمر الإشتراكية الدولية في برلين وترأست أنت وفد الإتحاد الوطني، فيما ترأس صادق شرفكندي وفد الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وأثناء إنعقاد المؤتمر أغتيل شرفكندي، ما هي تأثيرات تلك العملية الغادرة عليكم؟
– أنت كنت معنا عضوا في وفدنا، وأنت بالذات من نقل إلي خبر إغتيال شرفكندي، فلم أكن أعرف الخبر لأنني كنت نائما حينها بالفندق، كنا نخاف على أنفسنا أيضا وطلبنا تعزيز الحراسة والحماية لنا وأنت تتذكر حين إنتهى الإجتماع تحدثت الى شرفكندي وقلت له “إن كنتم بحاجة الى عقد أي إجتماع فيما بينكم ها هو بيت صلاح الدين موجود هنا لا فتعالوا الى هناك لتجتمعوا” وتتذكر أنني حذرته وقلت له “خذوا بالكم من أنفسكم”، أجابني “لسنا بحاجة الى أي شيء ونشكركم، لقد دبرنا كل شيء فلا تخف”. فلو إستمعوا الى كلامي وجاءوا الى بيتك لما حصل ما حصل.وطبعا كان إستشهاده خسارة أخرى لنا وللحركة التحررية الكردية عموما، وسارعنا بإدانة الجريمة وخاصة حين قيل بأن إيران ضالعة فيها.
وبعد عملية الإغتيال تلك تم قبول ترشيح الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني لعضوية منظمة الإشتراكية الدولية التي سارعت بدورها بإدانة الجريمة، ثم تشكلت محكمة دولية في برلين بإسم (ميكونوس) وخسرت إيران سمعتها في الأوساط الأوروبية و العالمية و تضررت كثيرا بإرتكاب تلك الجريمة.
* في تلك السنة إندلع القتال بين الإتحاد و البارتي من جهة و بين حزب العمال الكردستاني من جهة أخرى، ما أسباب تلك المواجهة الدامية؟
– في الحقيقة كنا في البداية داعمين لهم ونراعيهم أوضاعهم، حتى أننا جلبناهم الى قرية (ناوزنك) وأفرغنا لهم مقراتنا وأعطيناهم بناية مكتبنا السياسي أيضا، بل أني خصصت لهم منزلي هناك، وأعطيناهم مستشفى ميداني خاص بناه لنا الألمان، وإستقروا هناك بكل حرية وأمان، ولكنهم جاءوا بعد ذلك بقواتهم الى داخل كردستان العراق يريدون أن يحكموها، وأصدروا بيانا ضد الحكومة وضد البرلمان، ودعوا الناس الى التمرد و تأسيس حكومة شعبية و تشكيل لجان و مجالس إدارة و إسقاط حكومة الإقليم! فأضطررنا للدفاع عن حكومتنا، إذن هم من فرضوا علينا القتال ولم نكن نحن طلاب الحرب والقتال. وهكذا قامت الطائرات التركية بضرب مقراتهم فضاعت منا بيوتنا والمستشفى وكل البنايات التي بنيناها عبر سنوات هناك، وإنتقلوا الى مكان آخر وتفرقوا.
عودة رسول مامند
الى الإتحاد الوطني
* في العاشر من شباط 1993 عاد الحزب الإشتراكي الكردستاني برئاسة رسول مامند الى صفوف الإتحاد الوطني الكردستاني، ما هي أسباب ودوافع تلك العودة و ماذا جنيتم منها؟
– منذ فترة إنشغل قادة و كوادر الحزب الإشتراكي حول عند أي من الحزبين يحطون رحالهم، حاروا بين إختيار الإتحاد الوطني أو البارتي. تفرقوا الى شيع ومجموعات، ولكن الأكثرية من أعضاء الحزب القدامى الذين كانوا معنا في السنوات الأولى للثورة وبقوا مع رسول مامند إرتأوا أن يلتحقوا بالإتحاد الوطني، وغير الآخرون مسارهم نحو البارتي منهم سيد كاكة. ولذلك بدأت المحادثات بإتجاه العودة والوحدة، وبقي عدد منهم على حياد منهم الدكنور محمود عثمان وعادل مراد و عدنان المفتي، وبعد فترة عاد عادل و عدنان الى صف الإتحاد أيضا، و إلتحق مع رسول مامند عدد آخر من القادات والكوادر منهم الشيخ محمد شاكلي و بهروز كلالي، وفي المحصلة إلتحق بنا القسم الأكبر وهم الأٌقرب الى الإتحاد الوطني فكريا وسياسيا، فرسول مامند كان عضوا بمكتبنا السياسي ورافقنا منذ بدايات إندلاع الثورة الجديدة، ورحبنا بعودتهم لأنهم كانوا كوادر سياسية وعسكرية جيدة، بالإضافة الى أنهم يحظون بشعبية وسط الجماهير وأفادونا من حيث بإلتحاق أعداد كبيرة من الناس بصفوف الإتحاد الوطني.
تعديل رئاسة الحكومة
* في العام ذاته جرى تعديل برئاسة الحكومة فإنسحب الدكتور فؤاد معصوم و تولى كوسرت رسول رئاسة الحكومة، ما أسباب إنسحاب الأول وترشيح الثاني؟
– أريد هنا أن أصارحك بشفافية فيما يتعلق برئاسة الوزراء، في بداية السعي لتشكيل الحكومة وكما أوضحت لك رشحت أنا نوشيروان لرئاستها لكنه رفض، وعلى الرغم من ضغوطاتنا الكثيرة عليه لكنه أصر على موقفه، فكلفنا الدكتور فؤاد معصوم برئاستها. وبعد مدة ظهرت الإنتقادات ضده من كل حدب وصوب، سواء داخل الإتحاد الوطني أو من البارتي، فالإتحاديون قالوا بأنه لايراعي مصالحنا وأنه كثير المرونة وضعيف الأداء، ولكن هذ طبائع الدكتور فؤاد كما نعرفها، فهو هاديء دائما وصبور جدا، ثم أنه لا يستطيع أن يلبي كل مطالب أعضاء وكوادر وقيادات الإتحاد الوطني التي تفرض عليه. فعلى سبيل المثال، إتفق بعض العرفاء ورؤوساء العرفاء السابقين في الجيش والشرطة فيما بينهم، ورفعوا رتبهم الى (اللواء و العقيد و العميد) وغيرها من الرتب المتقدمة، وكان ذلك مخالفة صريحة للقانون العسكري في جميع أنحاء العالم ، فلا يجوز منح هذه الترقيات من دون إكمال الكليات العسكرية. وكان الدكتور فؤاد لايقبل بمثل هذه التصرفات اللاقانونية، ولذلك واجه تذمرا من بعض كوادرنا وقالوا بأن الدكتور فؤاد لايراعي مصالح الإتحاد الوطني. وكان لأعضاء البارتي أيضا إنتقادات ضده، ولم أكن أنا من ضمن هؤلاء المنتقدين، ومع ذلك كنت أعتقد بأن على السلطة بكردستان أن تعمل بجدية لإعداد وتربية الكوادر لتولي المناصب الوزارية والإدارية. ولذلك إقترحت على القيادة أن لايبقى رئيس الوزراء أو أي وزير من وزرائنا بمنصبه لأكثر من سنة واحدة، حتى نتمكن من زج كوادرنا بالعمل الحكومي بعد إعدادهم و تأهيلهم و إكتسابهم الخبرات اللازمة، عندها سنتحقق من قدرة وكفاءة كل كادر لدينا ونعرف أي وظيفة أو مهمة تناسبه ونحل الرجل المناسب بالمكان المناسب.رأينا أنا ونوشيروان أن نختار بين الدكتور كمال فؤاد أوكوسرت رسول ليكون رئيسا للوزراء. وصوتت الأكثرية لصالح كوسرت وبرروا ذلك بأنه رجل نشط ومشاعره إتحادية أكثر من اللازم بالإضافة الى ذلك فهو من سكان أربيل، وكنا حينذاك نقيم في أربيل وبإمكان كوسرت أن يعمل بين الأربيليين ويكسبهم لجانبنا. والسبب الثاني هو أن كوسرت حظي أيضا بدعم من مسعود البارزاني، فقد ذهب إليه بنفسه وقال له “لقد كلفت بهذا الأمر ولكن إذا لم تدعمني دعما كاملا فلن أقبله”، ورحب مسعود بذلك ووعده بالدعم وقال له “إذهب وتسلم المنصب سأدعمك”.
القتال بين إيران
والإتحاد الوطني
* في العام ذاته أيضا وفي شهر آب وقعت خلافات و مشاكل بين الإتحاد الوطني و إيران التي بدأت بقصف مناطق الإتحاد الوطني في (بينجوين وقلعةدزة)، ماذا كانت أسباب تلك العداوة؟
– بهذه المناسبة أود أن أتحدث عن شيئين فيما يخص بعلاقتنا مع إيران، فهذه المرة كان السبب الرئيس هو تدخلات إيران و دعمها للجماعات الإسلامية. فالحركة الإسلامية بكردستان بدأت تتحرش بنا، وإستطاع الإتحاد أن يكسر شوكتهم فورا، جرد بعضهم من السلاح والباقون إنتقلوا الى داخل إيران. وأعادت إيران جميع هؤلاء الى كردستان، فلم يكن بإمكانهم العودة مرة أخرى من دون دعم إيران، ورافقتهم قوات إيرانية و ساندتهم بالمدفعية و صواريخ الكاتيوشا وأرادت أن تثبتهم في المنطقة، وحين فشلوا بتحقيق هذا الهدف بدءوا بقصف (حلبجة و بينجوين و قلعةدزة) ولكن بيشمركة الإتحاد إستطاعوا الصمود وصد العدوان وطرد تلك الفلول.وبعد مرور فترة على تلك المواحهات هدأت الأوضاع نسبيا وتدخل بعض الأصدقاء بيننا وبين إيران وخصوصا سماحة السيد محمد باقر الحكيم الذي بذل جهدا كبيرا ومشكورا لتهدئة الأوضاع، وعندنا كان هناك بعض الأشخاص مثل محمد الحاج محمود حاولوا بدورهم إنهاء الأزمة وكان إنتهاؤها بصالحنا، لكن الإيرانيين إشترطوا علينا أن نطرد جميع القوى الكردستانية المعارضة لهم من مناطق نفوذنا، وفي حال لم نستطع منعهم علينا تجريدهم من السلاح وغلق إذاعتهم ونقلل نشاطهم. وكانت هذه الشروط الإيرانية صعبة التحقيق ولا تتوافق أصلا مع مبادئنا الأساسية في الإتحاد الوطني بوحدة القضية والمصير، مع ذلك توصلنا الى إتفاق مشترك وهو أن نطلب من الأخوة ثوار إيران أن يراعوا ظروفنا ويوقفوا نشاطاتهم الى الحد الممكن بالجانب الإيراني. وفعلا تعامل الطرفان الحزب الديمقراطي وعصبة الكادحين بكل حكمة وتعقل مع موقفنا وقررا الإستجابة لمطالبنا، بالمقابل أوفقت إيران ملاحقتها لهؤلاء وإستهدافهم في مناطقنا.
والسبب الثاني الذي ساهم في تمتين علاقتنا مع إيران وتطبيعها الى أقصى مدى، كانت النشاطات التي بدأناها في مارس من عام 1995 حين قمنا بالتحرك لإنقاذ العراق وإسقاط النظام البعثي.ولتحقيق ذلك إتصلنا بسماحة السيد محمد باقر الحكيم وأبلغنا إيران بأننا ننوي القيام بعملية كبرى بهذا الإتجاه، وقد شكرونا لأننا أحطناهم علما بذلك وبرغبتنا في إشراك السيد الحكيم بالأمر، كل ذلك ساهم في تقريبنا أكثر بهم وتطبيع علاقاتنا معهم. والإتفاق الذي حصل بيننا زاد من أهمية الإتحاد الوطني وحضوره المميز في المنطقة، وبعدها توسطت إيران لإجراء المصالحة بيننا وبين الحركة الإسلامية وإستطعنا أن نوقع إتفاق معهم في طهران بمساعدة الإيرانيين.
الصدام الداخلي
الاقتتال الكردي عام 1994
* في ربيع عام 1994 سافرت الى أوروبا، وكنت تعتزم زيارة اليابان لحضور مؤتمر الإشتراكية الدولية، في هذه الأثناء تلقيت إتصالا بوقوع صدام بين قوات الإتحاد الوطني والبارتي، ما كانت أسباب المواجهة ولماذا فشلتم في إحتواء تداعياتها؟
– الصدام بدأ بين مجموعتين من الإتحاد والبارتي في مدينة ( قلعةدزة ) ثم إمتد لهيبه الى مدينة رانية القريبة منها.وأعتقد بأن كلا الطرفين أخطأ سواء جماعة البارتي الذين ذهبوا الى (قلعةدزة) لإستعراض قوتهم وفرض أنفسهم بالقوة، أو جماعتنا بالإتحاد الوطني الذين حاولوا ردعهم بالقوة أيضا، فلم يحتكم أيا منهم الى منطق العقل والحكمة. وبعد أن إنتقل اللهيب الى مدينة (رانية) قام بيشمركتنا بالتحرش ببيشمركة البارتي فإتسعت رقعة المواجهة، ولذلك فأنا أعتبر الطرفين مسؤولان عما حدث من الصدام المسلح والذي مازالت آثاره باقية الى يومنا هذا. وعليه لو تحدثنا بضمير فيجب أن نحمل المسؤولية بكلا الطرفين، كنت أنا ونوشيروان غائبين عن المشهد، ولذلك كان يفترض بقيادة الإتحاد أن تحتوي المشكلة من بداياتها، لكنها لم تفعل، وكانت قيادة البارتي بدورها تعتزم الثأر، وخاصة أن بعض عناصرهم قد جردوا من السلاح و لحقت بهم خسائر في المواجهة بمدينتي (قلعةدزة ورانية)، وكانت علاقة البارتي مع إيران جيدة في ذلك الوقت ووعدهم الإيرانيون بالدعم والمساندة في حال خاضوا معاركهم ضدنا وأن يمدوهم بالأسلحة والعتاد، وبتشجيع الإيرانيين بدأت رقعة الصراع تتسع ويمتد اللهيب الى مناطق اخرى. رغم أنني و نوشيروان إتصلنا هاتفيا بكاك كوسرت و أنت نفسك شاهد على ذلك و طلبنا منه أن يذهب الى مسعود البارزاني لتطييب خاطره وأن يستمع الى ما يقوله، ولكن للأسف لم تنجح تلك الجهود، فكلما أرخينا الحبل كانوا يشدونه أكثر، و وإستغلوا مرونتنا ليوجهوا إلينا بعض الضربات الموجعة(1) ولو تتذكر أننا كنا نسيطر على قضاء شقلاوة وجبل سفين الذي يشرف على مصيف (سري رش) وهو مقر إقامة مسعود البارزاني، ولتطمينه أخلينا ذلك الجبل من قواتنا لكي نؤكد له بأننا لسنا عازمون على القتال بل نريد السلام معهم ولانريد أن تتطور الأمور أكثر من ذلك.ولكن للأسف رفضوا نداء السلام وأصروا على الإنتقام، وتطورت الأحداث وإستمر القتال حتى عام 1995، وبعد سقوط النظام البعثي ظهرت وثيقة تكشف بأن النظام العراقي هو من كلف حمة همزة بابير اغا لكي يخلق تلك الفتنة بمدينة (قلعةدزة).
* طرد الإتحاد الوطني من (شقلاوة) ومنطقة (بهدينان)، وبالمقابل طرد البارتي من السليمانية، ألم يكرس ذلك نوعا من الإنقسام والإنشطار والذي مازالت تداعياته مستمرة الى يومنا هذا من الناحية الإقتصادية والسياسية والإجتماعية؟
– كما قلت لك إستغل البارتي مواقفنا المرنة وخاصة بعد أن أخلينا تلك المناطق بناء على طلب مسعود البارزاني، كانت لدينا في (شقلاوة) مقران فقط، واحد كمقر لمركز التنظيم، والآخر مقر إقامتي وهو منزلي هناكـ، وإستغل البارتي الموقف فإستولى عليهما. أما نيجيرفان البارزاني فقد إستولى بدوره على أموال الضرائب الجمركية بمنفذ إبراهيم الخليل الحدودي و وعدوا بإرجاعها الى حكومة الإقليم في حال سمحنا لهم بالعودة الى السليمانية.
وإقترح نوشيروان أن نربط الأمرين معا، أي عودتهم الى السليمانية وإستعادة الأموال بوقت واحد. وأعطاني مسعود البارزاني (وعد شرف) بأننا إذا فتحنا أولا مقراتهم في السليمانية، سيعيد الأموال إلينا بعده مباشرة، وكانت تلك الأموال تقدر ببضعة ملايين من الدنانير وبضعة ملايين من الدولارات و جئت الى السليمانية و فتحت مقرات البارتي، ثم طلبت من مسعود أن يفي بوعده وينفذ الجزء المتعلق به في الإتفاق، وذهب مسعود الى دهوك في تلك الفترة وأرسل بطلب كوسرت رئيس الحكومة وروز نوري شاويس لكي يسلمهما تلك الأموال فذهبا إليه، ولكنه قال لهم “أن الأموال كلها أخذها نيجيرفان ولن تعود، وهناك بضعة ملايين من الدنانير سأسلمها لكم، لكن كوسرت رفض تسلمها”.