حينما يولد الحرف من رحم الوطن، يتولد حبا، يكتب ما تخطه سطور الحياة بصورة تجعلها أكثر اشراقا، وأكثر وضوحا من أي حرف يكتبه اللا منتمي لوطنه، تلك هي الثقافة التي يجب ان يتميز بها الفرد، والتي يسعى لامتلاكها كل منا، مع اختلاف السبل.
مصطلح الثقافة قد يكون أكثر المفردات تداولا بين الافراد اليوم، والأسباب عديدة، قد يكون أهمها الأعداد المتزايدة للمنتديات الثقافية، والمقاهي التي تهتم بالكتاب، وإدارة الجلسات الأدبية والفنية، إضافة الى ازدهار شارع المتنبي، المعروف بوصفه شارع الثقافة.
هناك من بات وصف “المثقف” يؤرقه، فيسعى لان يصل اليه ولا يعرف سبيلا للوصول الى مسعاه، فاخذ يتخبط، وتاه عن عنوانه، ليتعثر بهذا الوصف او ذاك، وسقطت عنه صفة المثقف من دون ان يدري.
الثقافة أفكار وسلوكيات، واؤكد دائما على السلوكيات، اذ لا يمكن ان أطلق هذه الصفة على أحد ما وهو يفتقر الى الذوق بتعامله مع الاخر، لمجرد انه يمتلك خزينا معرفيا.
هي عادات وأفكار، قد تختلف من شخص الى شخص اخر بعناوينها، لكن مضمونها يبقى واحدا. والأفكار التي تستند عليها ثقافة الفرد لا تأتي عبثا، بل تكون نتيجة قراءات لعناوين روائية، وفلسفية، واجتماعية، وتاريخية، ونفسية.. الخ فالمناهج التعليمية خاصة في بلداننا تفتقر الى عنصر التحفيز، او استفزاز العقل بعيدا عن روتين التلقين، والاسئلة والاجوبة التي تشبه أحيانا مشهد تحقيق مخابراتي.
هناك من ينظر بإعجاب حد الانبهار بالمتحدث اللبق، الذي يقحم بعض المفردات العصية على الفهم، والثقيلة على اللسان بحديثه، لأن الطرفين “الناظر والمنظور اليه” يعتقدان ان هذا هو الدليل القاطع على تميز الشخص وسمو ثقافته.
والحقيقة، ان المثقف، من يعرف كيف يوصل المعلومة والفكرة بغض النظر عن طبيعتها الى المتلقي، بأبسط طريقة، وبأكثر المفردات سلاسة وفهما. من يستحق اسباغه بصفة المثقف هو الشخص الذكي بتعامله مع الاخر، والقادر على التواصل معه بصرف النظر عن مستواه الثقافي والبيئة التي نشأ فيها.
للأسف في أيامنا هذه أصبحنا نتحسر على لقاء مثقف حقيقي، شجاع يعرف كيف يدافع عن أفكاره، مؤمن بما ينظّر به، ومقتنع به، لأن بعض المحسوبين على النخبة المثقفة تحولوا في وقتنا الحاضر الى افراد همهم الأكبر الحصول على مورد ثابت للعيش. وبالتالي كان للتنازل النصيب الأكبر في طريق غاياتهم، وضربوا بعرض الحائط العديد من المبادئ التي كانوا يؤمنون بها، وأوهموا المتلقي بضرورة الثبات عليها. الا ما رحم ربي منهم، الذين على قلّتهم، لكنهم باتوا شعلة النور التي تضيء الافق.
الثقافة مثلها مثل الكثير من مفاصل الحياة العراقية والعربية بنحو عام، تشوهت، بسبب الافرازات السياسية والاجتماعية والدينية، فلا يمكن لحال اعوج ان ينتج ثقافة سوية، فتاه من تاه وسط فوضى وتزاحم الأفكار الممسوخة، وتفاصيل الحياة الأخرى، ومنهم من حصن نفسه، فبات صورة مشرقة وضعنا املنا بها، كي تقف قبالة الصورة المشوهة التي تصدرها الكثير، متأملين اشاعتها مستقبلا، وانتصارنا بها ومعها.
أحلام يوسف
من أجل ثقافة سوية
التعليقات مغلقة