دأبنا كل عام على زيارة معرض بغداد الدولي، وغالبا ما كانت الزيارة مصدرا مبهجا، لإحساسنا بان الحياة في بغداد ما زالت بكل تفاصيلها الجمالية حاضرة وبقوة.
عام بعد عام، اخذ نجم المعرض يأفل جراء المشاركات البسيطة والفقيرة، وأحيانا المخجلة من الشركات والدول، عدا بعض الدول التي تحرص على المشاركة وعرض منتجاتها في المعرض، والتي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.
هذا العام، كان المعرض صدمة لكل من توجه لزيارته، بداية من رسم الدخول الذي ابتكر مجددا بوصفنا “دولة فقيرة تبحث عن أي مصدر يمولها”، وقد يكون العراق بالفعل دولة فقيرة، لكن افتقاره لأمر لا يتعلق بالمال، وزيادة الرسم من ألف دينار في العام الماضي، الى ألف ونصف الالف هذا العام، انتهاءً بالأجنحة التي كان اغلبها عبارة عن عرض لملصقات ليس أكثر.
دفعنا ما هو مطلوب على مضض، لان حماستنا لمشاهدة تفاصيل المعرض أكبر من ان ننشغل برسم الدخول.
اول ما وقعت عيناي على عنوان الجناح الألماني هرعت مسرعة فرحة بمشاركة دولة صناعية عملاقة مثل المانيا، حيث كانت أنواع السيارات تحيط بالجناح، ويا ليتني لم ادخل، فقد كان جناحا كبيرا، بزوايا عديدة، ولا ادري الغاية من كثرتها، لانها اكتفت بعرض ملصقات لبعض صناعاتها.
لكن، في أحدى الزوايا من المعرض، وهي الزاوية المبهجة حقا، التي تضم أكثر من جناح لأكثر من دولة، “على قلة ما معروض داخلها”، لكن كثرتها تملأ العين، فتعوض الخيبات بالأجنحة الأخرى.
في تلك الزاوية كان هناك جناح دائرة الإصلاح، الركن الوحيد الذي أشبع روحي فرحا وبهجة، وانا اتابع رسومات واعمالا يدوية رائعة، لوحات لا تقل بروعتها وابداع من شكلها عن اللوحات العالمية، والرائع انها كانت لنزلاء سجون العمارة والناصرية والبصرة.
الروعة فيما شاهدت ليس فقط لجمال ما خطت وصنعت اياديهم، بل لأني شعرت ان في العراق ما زال هناك ما يبعث الأمل، ويستحق الإشادة به، فهم بعرضهم لنتاجات النزلاء اثبتوا انهم قاموا بواجبهم تجاه مسؤوليتهم، وصنعوا من السجن مكانا للإصلاح فعلا، وليس حبر ثرثرة على ورق. وحينما يلمس النزيل الاهتمام بما صنعت يداه، لابد ان يؤثر به ذلك إيجابا، ليستطيع بعد خروجه البدء بحياة أخرى، حياة فيها من الابداع والأمل الشيء الكثير.
إضافة الى جناح دائرة الإصلاح، فإن جناحي وزارة النفط وامانة بغداد، من أجمل ما زرته في معرض بغداد، بأكثر من زاوية وتفصيلة، فقد عرض داخل جناح وزارة النفط بعض الإنجازات التي حققتها الوزارة، ونشاطات وفعاليات لجناح شركة التوزيع النفطية، من خلال شاشات عرض خاصة على شكل صور فوتوغرافية، ومقاطع فيديو، وتفاصيل أخرى أدخلت على الجناح صفة الجمال والابداع.
اما امانة بغداد، فكان جناحها مزينا بالأشجار والزهور والظليات، ما جعل المكان يتسم بصفة جمالية كبيرة. وتمنينا لو الأمانة تهتم أكثر بإشاعة هذا الجمال بكل مناطق بغداد.
معرض بغداد هذا العام كان سوقا شعبيا أكثر منه معرضا عالميا، فقد انتشرت عربات البيع المباشر لمواد غذائية وصناعات يدوية بكل ارجاء المكان. وتزاحم الزوار عليها، أكثر من اقبالهم على زيارة الاجنحة.
في ختام جولتي التي قد أكون فوتّ بعضا من زواياها الجميلة بسبب المساحة الكبيرة التي يقام عليها، خرجت من المعرض متيقنة بأن العراق، بقدر ما فيه من فاسدين، فيه وطنيون شرفاء، وبقدر ما به من قبح صنعه الفساد، فيه جمال لا يضاهى.
أحلام يوسف
مشاهدات من معرض بغداد
التعليقات مغلقة