منذ فجر التاريخ والمواطن المسكين يستمع الى “وعود” الحكام والخلفاء والملوك والأمراء وقادة الأمة وسياسييها ومن كان على شاكلتهم من أصحاب الحظوظ والسعادة والنيافة والنفوذ والفلوس.. ولكن هذا المسكين.. ظل ينتظر”الفرج ” .. بعد الشدة.. على صفيح ساخن، ولكنه لم يحصد من هذه “الوعود” إلا.. صوت الريح !
لكن مع هذا لم ييأس هذا “المواطن” ولم يقطع الأمل بالمستقبل.. لأنه يؤمن بالمثل القائل “تفاءلوا بالخير تجدوه” .. حتى ولو بعد قرن أو قرنين من الزمن!
الغريب.. أن هذا “المواطن” وبرغم عدم حصوله حتى على “الحصرم” من سلال العنب الكثيرة التي يحصدها ويأكلها قادة الأمة وحاشيتهم، إلا أنه لم يغير قناعاته أو بوصلته بشأن من اختاره لتمثيله.. فكان يجدد له الولاية والعهد والانتخاب.. عسى أن يناله جزء من فُتات أو بقايا “السلة” أو “العنب” لكن دون جدوى !
هذه القضية تذكرني بالمسلسل الكوميدي “كاريكاتير” للكاتب الراحل معاذ يوسف الذي تناول في إحدى حلقاته التي كانت تعرض بالأسود والأبيض.. موضوعاً عن أحد الأزواج الذي اصطحب زوجته الى محل لبيع الأحذية.. لكن الزوجة استغرقت وقتاً طويلاً لاختيار وشراء حذاء جديد حيث ظلت لساعات طويلة وهي تجرب هذا الحذاء وتخلع ذاك ولكنها لم تصل الى قناعة أو الى غايتها أو هدفها في الاختيار، فتارة كانت تعترض على لون الحذاء وأخرى على شكله وثالثة على نوعية الجلد ورابعة على طول وقصر الكعب وخامسة على الموديل.. مرّة تتذرع بأن فردة الحذاء ضيقة ومرّة أخرى تقول إنها واسعة.. وهكذا ظلت تجرب جميع الأحذية سواء المعروضة في واجهة المحل أو الموجودة على الرفوف أو حتى في المخزن، فقد كانت في كل مرة تختار حذاءً جديداً وبعد أن تجربه فإنه لا يروق لها وتطلب من البائع استبداله.. وهكذا تكررت العملية عشرات المرات وفي كل مرة كانت تجرب حذاءً جديداً وتطالب البائع باستبداله بحذاء آخر.. وهكذا ظلت تؤشر على هذا الحذاء في هذه الزاوية أو ذلك الحذاء المعروض في أعلى الرف، وتطالب البائع بإنزاله.. وهكذا ظلت على هذا المنوال الى أن قامت بتجريب جميع أحذية المحل واحداً تلو الآخر، بعد أن قلبت المحل رأساً على عقب.. وحولته الى فوضى وازدحم بالأحذية والعلب الفارغة المتناثرة هنا وهناك وهكذا… ولم يتبقَ حذاء في المحل إلا وجربته.. أما الزوج الذي اختار الوقوف في إحدى زوايا المحل.. فكان محرجاً وغاضباً من تصرفات زوجته.. وهذا ما جعله يستهلك علبتين من السكَائر خلال الفترة التي كانت زوجته تنتعل هذا الحذاء وتجرب آخر، وبعد مخاض عسير صاحت الزوجة على زوجها قائلة: “ها.. وأخيراً وجدت ما أبحث عنه يا زوجي العزيز.. إنه الحذاء الذي أريده !
انشرحت أسارير الزوج… ونفث دخان سيكَارته.. وتنفس الصعداء بعد طول انتظار، لكن سرعان ما عاد الى طبيعته الأولى وقطّب حاجبيه.. بعد أن تأمل الحذاء الذي اختارته زوجته جيداً.. وقال لها باستهزاء: يا زوجتي الذكية.. أليس هذا هو حذائك.. الذي كنت تنتعلينه عندما خرجنا من البيت؟ .. نظرت الى الحذاء وقالت: نعم صحيح إنه حذائي الذي أحبه.. كيف حصل هذا دون أن أنتبه الى ذلك.. يبدو أنه لا يريد أن يفارقني ولا أنا أيضا !
وبعد أن حدثت زميلي بهذه القصة.. أو موضوع الحلقة من الدراما الكوميدية “كاريكاتير” .. قال لي مازحاً: يبدو أن صاحب المحل.. انتحر بعد هذه الواقعة، أما الزوج فقد أصيب بالجنون وما زال يكتب مذكراته في مستشفى الأمراض العقلية والعصبية وانتهى أخيرا من تأليف كتاب بعنوان “اختار ولا تحتار”..! أما الزوجة فما زالت تحتفظ بحذائها القديم.. لأنها كما تقول.. لم تجد أفضل منه، وأنها ترتبط معه بذكريات تعيسة ومؤلمة، وتخشى من كلام الناس في حال استبداله.. وقد تُتهم بعدم الوفاء للمبادئ التي تربّت عليها !
•ضوء
هناك من يتردّد في الاختيار.. وهناك من يصرّ على نفس الخيار !
عاصم جهاد