سارة عابدين
لم تعتد المعارض الجماعية على وجود فلسفة ما تجمع بين لوحات المعرض، كما يقول محمد طلعت مدير غاليري مصر. معرض أوكتاغون يجمع ثماني فنانين من أجيال واتجاهات فنية مختلفة، ويقدم كل منهم أعمالا فنية جديدة لم تعرض من قبل، بعكس الشائع في المعارض الجماعية للفترة الصيفية. يضم المعرض أعمال لكل من الفنانين: عمرو الكفراوي، حازم المستكاوي، إبراهيم الدسوقي، إسلام زاهر، محمد عبلة، محمد رضوان، نجيب معين، صلاح المر.
ربما بسبب رغبة شخصية، حاولت خلق رابط بين الأعمال التي تختلف بين الرسم والتصوير والنحت، لأجدها في نهاية الأمر نظرات مختلفة على مدينة ما، أو يمكن إعادة ترتيب الأعمال لبناء كولاج سحري لمدينة هائمة، في أطوارها وأوقاتها المختلفة وتواريخها المختلفة، مدينة يحمل سكانها وحشية وبدائية ألوان وخطوط صلاح المر، صاحب الشخوص البسيطة المجردة ، والألوان القوية ذات المساحات الواسعة، التي لا تخلو من الوحشية والبدائية التي تشبه وحشية السودان الأصيلة.
يقول المُر، إن اللوحات المعروضة ليست ضمن أي مشروع أكبر، لكنهن لوحات منفردات، وكل لوحة منفصلة عن الأخرى. اختار المُر أن يكون للوحاته عناوين؛ لأن العناوين تُسهل معرفة اللوحة، أو تذكرها في حالة غيابها، ولأن غالبا ما يكون خلف اللوحة حدث أو موضوع ما، ليس من الضروري أن يُشرك به المتلقي، لكن العنوان يمثل إشارة لذلك الحدث.
نظرة إلى لوحات الفنان التشكيلي إبراهيم الدسوقي، تسافر بنا إلى رحلة على أطراف المجرة، بدرجات الأزرق والأسود، التفاوت في درجات اللون وقدرة الدسوقي على الإنتقال بين درجات الإظلام والإضاءة، والتكثيف الشديد للواقع، في لوحات تدعو المشاهد إلى التأمل ببطء. وبالرغم من وضوح المشهد المرسوم تماما، لكنه يبدو في نهاية الأمر غريبا وغير حقيقيا. ربما يعتقد بعض المتفرجين، أن الدسوقي يتناول المنظر المستهدف بنظرة موضوعية، لكنه في حقيقة الأمر، كعادته يتناول ماهو واقعي، بنظرة ذاتية للغاية، تجعل اللوحات أشبه بمشاهد مقتطعة من الأحلام.
اختار الدسوقي منذ بداية الأمر الواقعية، والبعد التام عن التجريد، في الوقت الذي تنامى في الاهتمام بالتجريد، وأصبح هناك من ينظر إليه على أنه الممثل الأوحد للفن الحديث والمعاصر، استمر الدسوقي في حفر طريقه الخاص في التجسيد والتشخيص، ليذكرنا بلوسيان فرويد الذي اختار التجسيد في ظروف اجتماعية وتاريخية تشبه، الوقت الحالي من حيث بداية سيطرة التجريد، على الأجواء التشكيلية.
يعمل الكفراوي على فكرة المدينة، منذ سنوات وينظر للمشاهد والطرق والشوارع، نظرة كلاسيكية تماما، ويحاول ضبط التكوين واتباع القواعد الكلاسيكية الصحيحة، ليكون مشهد شعري منعزل، وهو في كل مدينة يذهب إليها يجد ما يشده بها.
المدينة الأخرى اللافتة في واجهة المعرض هي مدينة محمد عبلة الملونة، التي تعيدنا إلى القاهرة في المساءات الصيفية الاحتفالية، بكل ما تحمله من صخب لوني محبب. اللوحة تبدو كأنها بحر كبير من اللون الأزرق، بزغت منه المباني والقوارب والأضواء، بألوان صريحة تراوح بين الأحمر والأصفر والبنفسجي والأخضر والبرتقالي، لتشبه اللوحة في النهاية كرنفالا للألوان.
في أعمال الفنان حازم المستكاوي المعروضة بمعرض أوكتاجون، يمكن القول أن المستكاوي قام بتكثيف المدينة بالكامل وتحويلها وحدات نحتية مختلفة يمكن لكل شخص تأويلها بحكاية ما، أو برؤية بصرية ما. في أعمال المستكاوي التي يلتحم فيها النحت بالعمارة والخط العربي، ليكون ما يشبه جسرا بين حداثة الخطوط وانطلاقها وبين تراثية الخط العربي وتصميماته الإسلامية، بالإضافة إلى استخدامه لأوراق الجرائد لتغطية العمل النحتي المصنوع من الكرتون المقوى بشكل كامل.
المتفرج بحاجة إلى الدوران دورة كاملة حول كل عمل من أعمال المستكاوي، حتى يمكنه التعرف على القطعة الفنية بالكامل، بعض الأعمال تحمل الطابع السيمتري، والبعض الآخر يختلف في كل جانب من جوانبه، بين الخطوط المستقيمة والمنحنيات. لم يستخدم المستكاوي أوراق الجرائد لتوصيل رسالة معينة عن طريق الكلمات المكتوبة، لكن استخدمها بشكل بصري تماما، لتوصيل حالة خاصة الترابط العضوي بين الخطوط المستقيمة، والكلمات السوداء الصغيرة المتناثرة على سطح العمل النحتي المفاهيمي القائم على العلاقة بين الأشكال الهندسية، الناتجة عن تواشج التركيبات المعمارية المصغرة، ليسبغ عمق فلسفي روحاني، عن طريق مزج التجربة الروحانية بالتجربة الفنية، عن طريق خلق منحوتات مصغرة، أكثر ديمومة من المدن الدنيوية الزائلة.
*ضفة ثالثة