الحارس

فريديريك براون*
ترجمة يوسف وقاص

كان مُبَلّلاً من رأسه إلى أخمص قدميه، تغطّيه الوحول ومُنْهَكاً من الجوع والعطش وبعيداً، خمسين ألف سنة ضوئية عن بيته.
شمس غريبة كانت تصدر ضوءاً أزرق بارداً، والجاذبية، ضعف تلك التي اعتاد عليها، كانت تجعل من كل حركة مزيداً من التعب.
ولكن بعد آلاف السنين، لم يكن قد طرأ أي تغيير على جبهة الحرب هذه. كان الأمر سهلاً لرجال القوات الجوية، بمركباتهم البرّاقة وسلاحهم المتطوّر جداً، ولكن عندما كانت الأمور تقتضي الحسم، كان يأتي مرة أخرى دور القوات البَرّية، جنود المشاة، لكي يستولوا على المواقع ويحتفظوا بها، بالدم، شبراً شبراً، مثل هذا الكوكب اللعين التابع لنجم لم يسمعوا عنه أبداً لغاية ما حطّوا عليه. والآن أصبحت أرضاً مقدسة لأن العدو كان قد وصل أيضاً. العدو، الجنس الوحيد الآخر الذي يتمتع بالذكاء في المجرّة … قساة، شنيعون، وحوش مُقزّزة.
التماس الأول معهم كان قد وقع بالقرب من المجرّة، بعد الاستيطان البطيء والصعب لعدة آلاف من الكواكب، ووقعت الحرب، حالاً، هم بدأوا يطلقون النار حتى دون أن يجرّبوا اتفاقاً أو حلاً سلمياً.
والآن، كوكب وراء كوكب، كان يجب القتال، بالأسنان وبالأظفار.
كان مُبَلّلاً بالقذارة، متمرّغا بالوحل وكان يشعر بالجوع وبالبرد، والنهار كان ممتقعاً، تكتسحه ريح عاتية حيث كانت تؤلم عينيه. لكن الأعداء كانوا يحاولون التسلّل وكل موقع مُتقدّم كان حيوياً للغاية.
كان متأهّباً، البندقية جاهزة. بعيداً، نحوه. عيّن الهدف وأطلق النار. صدرت عن العدو تلك الصرخة الغريبة، المزعجة، التي كان يطلقها الجميع، ثم توقف عن الحركة.
الصراخ ورؤية الجثة كانت تجعل بدنه يقشعر. معظمهم، مع مرور الوقت، كانوا قد اعتادوا على ذلك، ولم يعودوا يولون الأمر اهتماماً، ما عداه هو. كانت مخلوقات كريهة جداً، بذراعين وساقين فقط، وتلك البشرة البيضاء المقززة الخالية من الحراشف.
*فريدريك براون واحد من أهم كتّاب الخيال العلمي الأميركيين. ولد في سينسينّاتي عام 1906 وتوفي عام 1972. تعود شهرته إلى السخرية في كتابته «القصة القصيرة جداً» – قصص مؤلفة من صفحة إلى ثلاث صفحات، وغالباً ما تتمتع بحبكة حاذقة ونهاية غير متوقعة. بالإضافة إلى السخرية، تتميز قصصه إلى حد ما برؤية ما بعد حداثوية. من أهم رواياته وأعماله القصصية «يا له من عالم مجنون» (1949)، «الأضواء في السماء هي نجوم» (1952). إحدى أشهر قصصه القصيرة، «أرينا»، استخدمت كأساس للحلقات التي تحمل نفس الاسم في النسخة الأصلية لمسلسل «حرب النجوم» ذائع الصيت. معظم قصص الخيال العلمي التي كتبها براون كانت لا تتجاوز ألف كلمة أو حتى 500 كلمة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة