باليه كسارة البندق.. موسيقى وحلم يقظة

الصباح الجديد – وكالات:
كسارة البندق، باليه من فصلين مأخوذ عن قصة اقتبسها من الكاتب الفرنسي ألكسندر دوما الأب والتي اقتبسها بدوره من قصة (كسارة البندق وملك الفئران) لأرنست هوفمان.
ويعد باليه كسارة البندق من أكثر الأعمال الكلاسيكية ارتباطا بأجواء الشتاء واحتفالات الكريسماس، وقد وضع تصميم الرقصات أحد أشهر مصممي الباليه وهو ماريوس بتيبا، واستكمله تلميذه ليف إيفانوف.
قُدم العرض الأول في كانون الأول/ ديسمبر من عام 1892م بمدينة سان بطرسبرج على مسرح مارينسكى ولكنه لم يلقَ استقبالا كبيرا لدى الجمهور الذي لم يكن معتاداً على هذا اللون الأوركسترالي الغريب آنذاك. وفي فترة الستينيات من القرن العشرين بدأ باليه كسارة البندق يلاقي أقبالاً جماهيرياً كبيراً، وأصبح أحد الركائز الأساسية في ريبرتوار، أي فرقة باليه.

الفصل الأول من باليه كسارة البندق
يقام احتفال كبير في منزل والد كلارا بمناسبة أعياد الميلاد، ويقوم صديق العائلة دروسلماير بتقديم عرض ألعاب سحرية يمتع الصغار والكبار، ويقوم دروسلماير بإهداء كلارا دمية على شكل كسارة البندق، فيشعر أخاها فريتز بالغيرة، ويحاول أن ينزعها من يدها فتتحطم الدمية، وتحزن كلارا لذلك، فيصلحها لها دروسلماير وينتهي الحفل ويخلد الجميع للنوم.
تذهب كلارا لرؤية دميتها كسارة البندق، فترى فجأة وجه دروسلماير، ثم تشعر بأن الحجرة بكل محتوياتها تزداد اتساعا، فيتضاعف حجم شجرة الميلاد والهدايا الموجودة بجانبها، ويظهر فجأة جيش من الفئران التي تهاجم كلارا، وتدور معركة بين الدمى بقيادة كسارة البندق، وبين جيش الفئران بقيادة ملكهم تنتهي بفوز الدمى، وتتحول الحجرة إلى غابة جليدية، وتتحول معها دمية كسارة البندق إلى أمير شاب، ويصطحب كلارا التي أصبحت بدورها فتاة جميلة في رحلة الأحلام، ويرقصان بسعادة مع المجموعة.

الفصل الثاني من باليه كسارة البندق
يظهر دروسلماير متابعا لرحلة كلارا مع الأمير كسارة البندق، وهما يركبان قاربا جميلا مسحورا، في طريقهما إلى مدينة الحلوى التي بها شتى أنواع الحلوى المحببة للصغار، حيث نجد الشوكولاتة وتمثلها الرقصة الإسبانية، والبن وتمثله الرقصة الشرقية، والشاي وتمثله الرقصة الصينية، والماتروشكا (مجموعة العرائس الروسية) وتمثلها الرقصة الروسية.
ثم يعقب ذلك لحن فالس جميل، وتشارك كلارا والأمير المجموعة في رقصة فالس الزهور ورقصاتها الثنائية، وتدق أجراس الساعة معلنة الصباح، ليختفي الأمير، وتبذل كلارا جهدها في البحث عنه من دون جدوى، لتجد أمامها دروسلماير، أما الأمير فقد تحول مرة أخرى إلى دمية كسارة البندق، وفي هذه اللحظة تكتشف كلارا أنها عاشت حلما جميلا.
بدأ تشايكوفسكي كتابة هذا الباليه عام 1891. وكان حرصه على نجاح العمل شديدا. فلم يعرضه إلا بعد الانتهاء منه بعدة شهور، ذاك في أوائل عام 1892.
وقدم العمل كموسيقى أوركسترالية تعزف في حفل، من دون الرقص.
موسيقى تشايكوفسكي في هذا الباليه رائعة بكل المعايير. فهي عمل ضخم اوركستراليا، استعمل فيه أوركسترا ضخمة، اذ تؤدي آلات الأوركسترا جميعا، في توزيع رائع تظهر فيه مهارة وعبقرية المؤلف الفذة في التلوين الأوركسترالي، حتى انه استعمل آلة جديدة تشبه البيانو يطلق عليها اسم (الشيلستا)، اخترعت في باريس عام 1886، صوتها سماوي كريستالي رقيق، مزيج بين صوت البيانو وآلة الجلوكنشبيل. استعملها تشايكوفسكي في رقصة تظهر خصوصية الآلة للمرة الأولى في هذا العمل، بعد أن طلب من صديق له في باريس أن يرسلها إليه. وفي هذا العمل نسمع ألحانا غنائية معبرة، تنفذ إلى وجدان الجماهير في سهولة ويسر. ونسمع تنوعا موسيقيا كبيرا. فتشايكوفسكي ينقلنا عبر جو القصة الخرافي بشكل أنيق مدروس.
نظم تشايكوفسكي باليه (كسارة البندق) في ثمانية أجزاء، كون منها متتالية موسيقية تعزف كثيرا في الحفلات الموسيقية، وتلقى استحسانا ونجاحا عند الجمهور، لجمالها وقوتها الأوركسترالية. ويتكون (كسارة البندق) من افتتاحية موسيقية للجزء الأول اسمها: الافتتاحية الصغيرة. وتبدأ بها المتتالية لتعطي اجواء عيد الميلاد.
وتعزفها مجموعة الكمانات والفلوت. ثم نسمع الجزء الثاني. ومن بعده يبدأ المارش الذي يعزفه الترومبيت والهورن والكلارينيت، فيعطى جوا من الفرح. ثم يعقبه لحن اخر، فيعاد اللحن الاول ليختم الجزء الاول من المتتالية.
وفي الجزء الثاني نسمع رقصة (فتافيت السكر )، وهي الحركة الثالثة. وفيها أدخل تشايكوفسكى آله (الشلستا) ليعطي لونا من الالحان، يوافق جو القصص الخرافية الأسطورية.
وتمثل الحركة الرابعة الرقصة الروسية (تريباك)، إذ يعزفها جميع آلات الأوركسترا لتكون رقصة رشيقة صداحة.
وأما الحركة الخامسة، وتسمى بالرقصة العربية (قهوة)، فيعزف التشيللو، أو الفيولا، إيقاعاً مستمراً يمثل الآلات الإيقاعية الشرقية، وعلى هذه الخلفية نسمع تآلفات من الكلارينيت والهورن، يتبعها اللحن الأساسي، تعزفه الكمانات.
ثم نسمع صيحة من (الأبواق) تستمر طويلا وكأنها تصاحب أغنية شرقية، وتنحدر الموسيقى تدريجيا حتى تختفي تماما. وبالنسبة للحركة السادسة فهي الرقصة الصينية(شاي)، فيستعمل تشايكوفسكي في عزف لحنها الأساسي، خليطا من آلات النفخ الخشبية، مثل: الفلوت والباصون.
وعلى صعيد الحركة السابعة واسمها (دانس اوف ذي ريد فلوت)، تعزف فيها ثلاثة من آلات الفلوت، فتقدم جوا استثنائيا يدل على براعة تشايكوفسكي ومعرفته الدقيقة لكل آلات الأوركسترا.
والحركة الثامنة تسمى (فالس الزهور)، تصنف من بين أجمل ما كتب في قالب الفالس. فالعمل ينضح بالحيوية ولحنه متدفق تعزفه جميع آلات الاوركسترا.
تشايكوفسكي واحد من أعظم الموسيقيين الذين أحدثوا طفرة كبيرة في القرن التاسع عشر في مجال التلحين الموسيقي في أوروبا عامة وفي روسيا خاصة وكانت بدايته الحقيقية في التأليف الموسيقي عام 1866.
في عام 1893 ألف تشايكوفسكي سيمفونيته السادسة والأخيرة، والتي قال عنها: “أعتقد أنها أفضل مؤلفاتي”. وكانت مليئة بالغموض والكآبة، وقد عُزفت للمرة الأولى بقيادة تشايكوفسكي نفسه قبل وفاته بثمانية أيام.
تحول منزل تشايكوفسكي الكائن في مدينة (كلين)85 كم شمالي موسكو إلى متحفا يزوره الآلاف ففي عام 2008 بلغ عدد رواد المتحف 86 ألف زائرا، كما تبرعت الحكومة الروسية بتمثال معدني للموسيقار الكبير، وتم وضعه في حديقة المتحف.
تُعد كسارة البندق واحدة من أشهر أعمال تشايكوفسكي، ولا تقل شهرة عن أعماله الرائعة مثل بحيرة البجع، والجمال النائم.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة