جانت عايزه.. احتركت

لقد جاء حريق يوم الاحد 10/6 والذي استهدف “الملاذ الآمن” لصناديق الاقتراع الخاصة بمنطقة الرصافة، كي “يجمّل الغركان غطه” كما يقول المثل الشعبي. فالدورة الأخيرة للانتخابات التشريعية والتي استبشرنا بها خيراً، لاعتمادها التقنيات الحديثة للعد والفرز (الإلكتروني)، وما يفترض أن يتمخض عنها؛ من سرعة ودقة وشفافية في إعلان النتائج الفعلية لعمليات الاقتراع، أسفرت عن عكس ذلك تماماً، بعدما كشفت عن فضيحة من العيار الثقيل، لم تستثن لا الاجهزة ولا الشركة الموردة ولا من فوضتهم الطبقة السياسية الحاكمة، لإدارة دفة أخطر مسؤولية في بناء التجربة الديمقراطية الفتية (المفوضية العليا المستقلة للانتخابات).
لقد ألحقت جولة الانتخابات الأخيرة، وما تمخضت عنها من تداعيات واتهامات سافرة بالتزوير، أضراراً فادحة بحاضر ومستقبل هذه التجربة، وقد كشفت التطورات والتداعيات الأخيرة، عن التناقض الخطير الذي تعيشه، وعن استحالة استقرارها وتطورها مع مثل هذه الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة، والمستعدة لارتكاب شتى الموبقات دفاعاً عما شفطته من ثروات ومواقع وامتيازات، وما التهام الحرائق لأصوات المقترعين في أكبر منطقة انتخابية في العراق (الرصافة) حيث تتمثل في البرلمان بكتلة يتجاوز عدد نوابها الـ 40، إلا مثال واضح على ذلك. لقد تطرقنا مراراً وتكراراً الى العيوب البنيوية لمثل هذه النشاطات الحيوية في حياة المجتمعات والدول (اعتماد الديمقراطية وأدواتها وتشريعاتها المجربة) للانتقال من تجربة توليتارية فتكت بأفضل ما يمتلكه العراقيون من خصائص وقيم ومواهب وملاكات، الى النظام الديمقراطي. وقد حذّرنا من النتائج الوخيمة التي ستترتب على ما اعتمدته هذه الكتل المتخلفة من قواعد لمسخ “اللعبة الديمقراطية” من تشريعات وقوانين وتشكيلات ظاهرها ديمقراطي ودستوري، ومضامينها وتجلياتها وانعكاساتها على أرض الواقع بعيدة عن ذلك تماماً (طائفية، شوفينية، قبلية، مافيوية و..)، حيث نقلوا لنا نسخة مشوهة عما تورطت به التجربة اللبنانية، والتي تتخبط منذ أكثر من نصف قرن بسيول من المآسي والمحن وانسداد الآفاق، إذ تحول ذلك البلد الجميل والواعد؛ الى إقطاعيات ومناطق نفوذ لدول ومصالح من خارج الحدود الوطنية.
عندما نطلع على ردود أفعال وتصريحات الكتل والجهات ذات العلاقة، بما حصل مع مخازن الصناديق، يتأكد لنا أمر واحد فقط؛ ألا وهو أننا لن نعرف منها حقيقة لا ما حصل ولا ما سيحصل لاحقاً. فالسيد سليم الجبوري رئيس مجلس النواب الذي لم يتبق من ولايته سوى أيام معدودات، يدعو الى إعادة الانتخابات، لأن إحراق المخازن الخاصة بصناديق الاقتراع هو فعل متعمد وجريمة مخطط لها. وفي الوقت نفسه يؤكد مدير الدفاع المدني بأن الصناديق تم حمايتها، وهذا ما أشار اليه الناطق باسم عمليات بغداد. أما السيد رياض البدران مدير الدائرة الانتخابية في المفوضية فيؤكد على إنقاذ 95% منها. وكما هو الأمر دائماً عندنا، فسيلتحق هذا العمل الإجرامي الممنهج الى كثبان ضحايا الأشباح أو “المجهول” أو سيعلق على مشجب ما يمكن أن نطلق عليه بـ (تماس 4 كهرباء) والذي يعتصم به غير القليل من قوارض حقبة الفتح الديمقراطي المبين لتمرير أمورهم المستعصية. صحيح أن حريق الأصوات هذا، يعد آخر مفاجأة في الموسم الانتخابي الذي لا يريد أن يصل الى محطته الأخيرة قريبا، لكنها بالتأكيد لن تكون آخر المفاجأت، مع هذه الطبقة السياسية التي اتقنت إشعال الحرائق من شتى الوظائف والأشكال والمستويات..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة