عبد الكريم حسن مراد
«ان تكتب معناه إشعال العالم» هذا ما طرحه احد النقاد من رؤياه عند قراءته لحد الأعمال الروائية لكاتب عربي، والذي من خلاله ندرك مدى تأثره بالأفكار وأحداث ذلك العمل المنجز، وإلا فلا يمكن ان يطلق مثل هذا الكلام جزافا ما لم يكن هنالك ثمة فعل حقيقي يشغل هذا العالم المليء بالمتناقضات، سيما بعدما حدثت متغيرات في خريطة العالم والشعوب من انقلابات وسقوط أنظمة تحجرت بأفكارها وبقيت منغلقة على نفسها، وظهور تيارات إسلامية متطرفة تريد إبقاء العالم وإرجاعه إلى العصور المظلمة الأولى وذلك من خلال فلسفة القتل والتهجير والموت المجاني للآخر، من دون النظر إلى أنه إنسان ولا يفكر مثله بظلامية، وهذا ينطبق على بقية الأديان، فالتطرف معناه أنك ترى أنك أنت الأحق في التحكم بالآخرين بقوة السلاح وبطرق أكثر وحشية كالتمثيل بهم، كل هذه الصور قد وظّفوها كُتّاب الرواية والقصة من خلال سرودهم التي كتبوها ليطّلع عليها الآخرون، وهذا ما لمسناه في المنجز القصصي الجديد للكاتب (كريم صبح) والتي تحمل عنوان (رأس للإيجار) الذي يحمل دلالات عدة في معناه، وهذا هو ما استفز القارئ لمعرفة شفرات العنوان الصادم…
إن في خطابات الكاتب ثمة رسائل إنسانية أحبَّ أن يطرحها، وأفكارا نيّرة رسمها من خلال شخوص المجموعة كافة بكل ثقافاتهم ومستوياتهم الإنسانية والمعاشية.. فمن خلال العنوان ندرك مدى سخرية الكاتب من بعض العقول المتحجرة التي لا ترى في هذا العالم من متغيرات سوى لغة الأرقام والصفقات من دون النظر إلى الأحلام المستقبلية للآخرين.
فالذي نلمسه من خطاب هذه المجموعة ان الرؤى الخاوية هي من يتحكم بهذا العالم، فكاتب قصص هذه المجموعة له رسائل تضمينية للعالم، إذ يرسم صور شخصيات إيجابية تنحو نحو طريق المستقبل والخير لترمم الثغرات التي أحدثتها النعرات الطائفية والمذهبية، وأخرى سلبية تحاول إبقاء العالم على ما هو عليه من فوضى لغرض التحكم بمصيره، فالاعتدال في الخطابات هو جوهر الإنسان الحقيقي، وهذا ما لمسناه في قصص «كريم صبح» القصيرة من خلال ترصد شخوصه التي تتفاعل وتتأمل وتحزن مع الآخرين من دون النظر إلى معتقداتهم ومذاهبهم، وهذا ما جاءت به لعبة لتداعيات بين تارة وأخرى من خلال الضمائر بأفعالها العدة، فالصورة المشرقة هي الواجهة الحقة التي لابد أن تطفو على السطح لتسير عجلة الحياة، فنظرية أنا.. هو أنت هو ما يؤكد عليه الكاتب من دون النظر إلى عقلية الظلاميين والاهتمام بأمرهم مادام هناك أناس متحدون مع بعضهم، فصورة الوطن الواحد هو ما يطمح إليه الكاتب من خلال أحداث قصه، يقينا انه يحمل في ذاته نزعة إنسانية جميلة، ذلك ما لمسناه من خلال رسمه لوقائع واحداث شخوصه لتي كانت تتحرك بشيء من الحذر بين حين وآخر باستباقية نحو الأمام…..
وأخيرا أن ما يؤخذ على هذه المجموعة هو الضعف الفني في بعض تمفصلات القصص القصيرة لعدم تمكن الكاتب من سبك الخيط القصصي بإحكام، وهذا يأتي من عدم قراءته لقواعد القصة القصيرة بشكل جيد، فهذه هي محاولته الثالثة التي جاءت بعد محاولتين قصصيتين شبه ناجحتين لإدراجها ضمن عملية القص المتعارف عليه، فالكاتب لكونه أستاذ جامعي فقد هيمن على بعض قصصه طابع البحثية والتقريرية المباشرة..
أمّا في مجال القصة القصيرة جدا والتي تعتمد على البلاغة اللغوية المكثفة والحدث المفاجئ وغير المتوقع للقارئ فلها قوانينها الخاصة وصعبة بعض الشيء فتحتاج إلى إدراك وتأمل قرائي، فالقاص كريم صبح مازال بحاجة إلى اطلاع أكثر لإتقان قواعدها.
ولكن من يتابع (كريم صبح) من خلال مجاميعه القصصية الثلاثة سيدرك أنه بإمكانه ان يتخطى الكثير من تلك الإخفاقات، ففي مجموعته هذه (رأس للإيجار) قصص جيدة، وبأسلوب تتبين من خلاله أنه قاص نشط وحريص على أن يرفد ثقافته القصصية بما يخدم نصوصه…
أبارك للقاص هذا المنجز الجميل، والذي أطمح أن يستمر في مساره، وأن يضع الكتبة الروائية في حسبانه، فمن خلال قصصه يتضح أن له نفس المطاولة في الكتابة، والتي تحتاج إلى ضبط الجانب الفني… وهو أهل لها… وعذرا له عن قسوتي هذه…