أصدقاؤنا الحقيقيون

كنت قبل أيام مع صديقة عزيزة نتناول العشاء في مطعم شرقي، وكانت الى الجانب الآخر منا فتاتان تحدقان باستمرار في هاتفيهما وتلتقطان الصور لهما ولوجبتيهما ولكن من دون أن تقول الواحدة للأخرى كلمة. بقينا هناك مدة ساعتين تقريباً، وطوال هذا الوقت ظلت الفتاتان تلتقطان الصور مع ابتسامة مكتوبة، وربما مكذوبة، على وجهيهما. هذا كان كل ما فعلتاه.
قلت لصديقتي: أنا متأكدة أن الصور الملتقطة سيتم تحميلها على الفيس بوك أو تويتر ليسجل الأصدقاء الافتراضيون اعجابهم بها.
لم تعد هناك البومات تحفظ الصور للذكرى كما كان الحال على أيامنا. لقد تغيرت العلاقات الإنسانية كثيراً مع وسائل التواصل الاجتماعي التي اقتحمت حياتنا على حين غرة حتى أصبحنا نهتم بقضاء الوقت معها بدلاً من قضائه مع من نحبهم، بعدما أصبح العالم الافتراضي أكثر أهمية من العالم الحقيقي، وبات لدينا من الأصدقاء الإفتراضيين أكثر بكثير من أصدقائنا الحقيقيين.
بعبارة واضحة، نسينا أننا بشر لدينا قلوب، ولدينا مشاعر، ولدينا عواطف، وتحولنا إلى آلات مبرمجة حتى غدا تفاعلنا من خلال التكنولوجيا يفوق تفاعلنا البشري الحقيقي، حيث استحوذت الحياة الافتراضية على حياتنا الحقيقية، والشئ المحزن هو أننا لا ندرك مدى تأثير هذا التحول على نفوسنا.
كانت العلاقات الإنسانية سهلة، وكان لنا أصدقاء وصديقات، معارف وأقرباء، آباء وأبناء، أما الآن فلدينا فيس بوك وتويتر ويوتيوب ولينكد وجوجل بلس وتمبلر وإنستجرام وماي سبيس، فقد حلت هذه الوسائل التكنولوجية محلهم، ومعها فقدنا ميزة التواصل الطبيعي.
هل أكون مبالغة إذا قلت أننا نحتاج إلى أن نتعلم كيفية صنع الفرق بين الأصدقاء الحقيقيين والأصدقاء الافتراضيين، بين الأصدقاء الذين يحبوننا ويهتمون بنا والأشخاص الذين يحبون مشاركاتنا على صفحات هذه الوسائل؟
فما هي الحياة من دون صداقات حقيقية وصادقة وذات مغزى؟
ما هي الحياة من دون حب ورفاق درب نرى من خلالهم جمال الناس والعالم والأشياء؟
الصداقة الحقيقية أصعب من أن تعرف أو تشرح. إنها شيء لا نتعلمه في المدرسة، ولكن إذا لم نتعلم معنى الصداقة، فكأننا لم نتعلم شيئاً.
الصداقة هي النار التي تخرج من داخلنا ثم تنفجر إلى لهب حين نلتقي الأشخاص الذين يهتمون بنا، والذين اخترناهم واختارونا، والذين نعيش من أجلهم ويعيشون من أجلنا.
الصداقة هي المغناطيس الذي يجتذب الأشخاص الصادقين المخلصين إلى قلوبنا.
ومن حسن الحظ، ما يزال هناك أصدقاء رائعون وإن كانوا قلة نادرة مثل قطع الماس الخام.
نعم، نتعلم استعمال التكنولوجيا لكن لا ندع التكنولوجيا تستخدمنا.
فريال حسين

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة