بلد الانتحار والاكتئاب أسعد مكان بالعالم؟

لم يقتصر على البشر فقط
الصباح الجديد – متابعة

قد تشعر بالشفقة تجاه الببغاء الذي تحتفظ به منذ زمن، لأنه حيوانً أليفً، عندما تستعمر الطفيليات ريشه فتجعل شكله قبيحًا ويتساقط هذا الريش، وقد تتساءل عما كان سيحدث له لو كان أصيب بهذه الطفيليات في البرية، ولم تكن أنت بجواره لتذهب به إلى الطبيب البيطري، وتتساءل هل كان لينجو من هذه العدوى؟
الحقيقة هي أن الببغاء، مثله مثل العديد من الفصائل الأخرى، قد طورت نسخها الخاصة من الممارسات الطبية المختلفة، فالكثير من الحيوانات تعلمت من الطبيعة استخدامات طبية متعددة للعديد من الأدوات والكائنات المحيطة بها في بيئتها الخاصة؛ بل وعلمت الإنسان نفسه أحيانًا كيف يعالج أمراضه. في هذا التقرير نلقي المزيد من الضوء على هذه الظاهرة الغريبة التي بدأ العلماء في رصدها منذ فترات قريبة.

حيوان «النيص» أنقذ حياة الكثيرين
قبل قرابة القرن، اجتاح قبيلة «واتونجي» الفقيرة في تنزانيا، وباء يشبه في أعراضه الإسهال، وكان هذا الوباء قد تفشى بين أهالي القرية في الوقت الذي لم يكن هناك أي دواء متوفر لعلاج هذه العدوى. في ذلك الوقت، لاحظ بابو كالوندي، أحد الرجال العارفين بالطب في القبيلة، حيوان «نيص» صغيرًا يعاني نفس الأعراض الخاصة بالوباء الذي يصيب أهالي القبيلة، ووجده يبتلع جذور نبات معروف لدى أهل القبيلة يسمى «مولينجيليلي» (MULENGELELE). كان أهل القرية، وبابو، يتجنبون هذا النبات لما يعرفونه من أنه يحتوي على مكونات سامة.

نبتة «مولينجليلي» لأغراض طبية
قرر بابو في ذلك الوقت استعمال هذه النبتة كعلاج للوباء الذي يصيب أهل القبيلة، وبالفعل نجح بابو في إنقاذ العديد من الأشخاص بسبب الفكرة التي لاحت له من مراقبة «النيص». عندما تحدث بابو إلى أبناء القبيلة عن المشهد الذي استوقفه، كان يتوقع أنه لن يكون محل تصديق؛ فقام بتناول جرعات خفيفة من جذور النبات بنفسه ليقنع باقي أبناء القبيلة بالقيام بنفس السلوك لعلاج الوباء. نجح بابو في إقناع أعضاء القبيلة بتناول الدواء علاجًا لهذه العدوى، وإلى الوقت الحالي، يستخدم سكان القبيلة نبات «مولينجليلي» علاجًا.

الشمبانزي لا يكف عن إبهارنا
في إحدى غابات تنزانيا عام 1987، كانت هناك أنثى شمبانزي في الثلاثينيات من العمر، تعاني من عدوى جعلتها غير قادرة على الحركة مثلما كانت تفعل طيلة الوقت. في ذلك اليوم، قفزت «شوسيكو» (CHAUSIKU) فوق إحدى الأشجار وتسلقت فرعًا قويًّا؛ لتبني عليه منزلًا صغيرًا تستطيع أن ترتاح فيه. في نهاية اليوم، نزلت شوسيكو من الشجرة، كانت بالكاد قادرة على الوقوف على قدميها، وبدأت في القيام بتصرف غريب وغير معهود.
كان مايكل هوفمان، البيولوجي الأميركي الذي عمل سنوات في معهد دراسة الرئيسيات في جامعة كيوتو، يراقب الأفراد الأكبر سنًّا في جماعة شوسيكو؛ لدراسة التفاعلات الاجتماعية للمجموعة، لكن ملاحظته لتصرف شوسيكو قد أثار دهشته لدرجة قضائه سنوات لاحقة في فهم هذا السلوك.
جلست شوسيكو أمام شجيرات من نبات كثير الأوراق، وبدأت في قطع فروعه الصغيرة، لتمضغها جيدًا، ثم تبصق البقايا الليفية، وتبتلع العصارة الباقية من مضغ الأوراق. أثار هذا التصرف دهشة هوفمان؛ لأنه طيلة تسعة أشهر قضاها في مراقبة هذه المجموعة، لم ير أي فرد شمبانزي يتناول هذا النبات. سأل هوفمان مساعده من القبائل المحلية، رجل يدعى سيفو كالوندي، وهو حفيد بابو كالوندي، فأجابه سيفو بأن هذا النبات شديد المرارة، وقد يكون شديد السمية عند تناوله بكميات كبيرة، وفي نفس الوقت، يعتبر هذا النبات علاجًا قويًّا استخدمته قبيلة «واتونجي» لعلاج الأمراض المعوية، والعدوى الطفيلية.
بعد حديثه مع سيفو، قرر هوفمان التركيز على شوسيكو ومراقبتها؛ ليلاحظ أنها ذهبت إلى النوم مبكرًا ذلك اليوم، واستيقظت في اليوم التالي وهي ما تزال تعاني من العدوى. بعد تجمع القطيع وقت راحة الظهيرة، قامت شوسيكو من مرقدها وأسرعت نحو الغابة، وتبعها هوفمان وسيفو بسرعة، حتى توقفت عند حافة مستنقع، حيث توجد نباتات عصارية وأشجار تين بكثرة. استمرت شوسيكو لساعات في التهام التين. لقد أخذ النبات 24 ساعة للعمل، لتظهر شوسيكو في أفضل حال. كان هوفمان في حالة شديدة الإثارة، لقد رأى لتوه شمبانزي يمارس الطب.
لم تكن مشاهدات هوفمان هي الأولى أو الوحيدة من هذا النوع، فقبل هذه الحادثة بـ10 سنوات، لاحظ ريتشارد رانجهام، المتخصص في دراسة القردة العليا، مع زملائه، سلوكيات مشابهة لأنثى شمبانزي تقوم بابتلاع ورقات كاملة لنباتات من دون مضغ، وقد استنتجوا وقتها أن هذه الحيوانات كانت تفعل ذلك لعلاج العدوى الطفيلية، وقام رانجهام بعد إتمام دراسته بصياغة المصطلح «زوفارماكونوسي» المختص بدراسة الحيوانات التي تعرف الطب. ظهرت كذلك في الآونة الأخيرة عشرات الدراسات بشان الموضوع نفسه في بيئات وحيوانات مختلفة.

خراف تعالج نفسها من الطفيليات
قام روبن بوضع مادة «العفص» في الطعام الذي تتناوله الخراف، هذه المادة الطبيعية تنتج مادة تسمى «ASTRINGENT» معروفة بتأثيرها الذي يجعل عضلات الفك تتقلص، إضافة إلى طعمها السيئ، وتستخدم النباتات هذه المادة في إبعاد المفترسات عنها؛ وهذا السبب الذي يجعل الخراف تبتعد في العادة عن هذا النوع من النباتات، وفي نفس الوقت، تمتلك هذه النباتات خصائص طبية معينة. قام روبن، بعد ذلك، بحقن الحملان ببعض اليرقات الطفيلية، وقام بتقسيمهم إلى مجموعتين: الأولى قام بإطعامها نباتات مخلوطة بالعفص، والأخرى قدم لها طعامًا يخلو من العفص.

كيف تعلمت الحيوانات ممارسة الطب؟
طورت النباتات المختلفة بعض الاستخدامات الخاصة بالأجزاء التي لا تستخدمها في الوظائف الحيوية لها، مثل التغذية والتكاثر. هذه الأجزاء تطورت لكي تؤمن للنباتات الحماية من الكائنات المفترسة الأخرى، من النباتات والحيوانات والحشرات، وغيرها من الكائنات الدقيقة. تعلمت الحيوانات، عبر العصور، استهلاك هذه الأجزاء الثانوية من النباتات علاجًا لكثير من الأمراض التي تصيبها.
قد تفسر هذه الحقيقة تعلم بعض الحيوانات، ذات القدر الكافي من الذكاء، الاستخدامات الطبية لبعض النباتات، لكن ذلك يترك المزيد من علامات الاستفهام حول تعلم الطيور وبعض الحشرات التقنيات الطبية نفسها المنتشرة بكثرة في مملكة الحيوان.
هناك نظرية يمكن أن تفسر تعلم الطيور والحشرات هذه التقنيات بالنسبة لبعض العلماء، إنه الانتخاب الطبيعي، والانتخاب الطبيعي هو الطريقة التي تفسر تعلم الأجيال المتعاقبة من هذه الحيوانات للتقنيات الطبية المتعددة، وهي الطريقة التي لا تحتاج إلى أي قدر من الذكاء أو الإدراك الذاتي لتعلم الأشياء، فهي طريقة عمياء تضمن استمرار السلوكيات التي تسهم في بقاء النوع، وإعادة إنتاجه، واستبعاد السلوكيات التي لا تسهم في البقاء.
نفترض أن هناك نوعًا معينًا من الطيور التي تستخدم نبتة معينة موجودة في بيئتها أثناء بناء العش، وتتميز هذه النبتة برائحة نفاذة تقوم بطرد الطفيليات التي تتخذ من العش الرطب مكانًا لتكاثرها؛ فتصيب الفرخ الصغير بالعدوى وينفق. ستكون صغار الطيور التي تستخدم هذه النبتة في بناء العش أقل قابلية لخطر العدوى الناتجة من الطفيليات؛ بالتالي نسبة بقائها حية تصبح كبيرةً مقارنة بالصغار التي نشأت في عش لا يحتوي على هذه النبتة. بمرور الأجيال، فرصة النجاة لدى الصغار في العش الذي يحتوي على النبتة تصبح أكثر وأكثر، ويتم برمجة جينات هذه الطيور على استعمال هذا النوع من النبات في بناء العش.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة