عبدالزهرة محمد الهنداوي
المتحدث باسم وزارة التخطيط
عشتُ خلال الاسبوع الماضي تجربة قاسية جداً حملت لي وللقريبين مني الكثير من الالم الانساني .. وذلك بعد صدور حكم بحقي يقضي بإعدامي من دون جرم او ذنب ارتكبته !!..والمثير في الامر ان هذا الحكم لم تصدره اي محكمة من المحاكم العراقية ، انما صدر من جهة اخرى لاعلاقة لها بالقضاء مطلقاً !! .. وهنا لستُ بوارد شخصنة القضية او اني احاول استغلال هذه المساحة التي تعود ملكيتها للقراء للحديث عن قضية شخصية .. انما اريد ان اشير الى قضية في غاية الاهمية هي ان الكثير من الابرياء يتعرضون لمثل هذا الاحكام ، وقد تُنفذ بحقهم ان لم يتمكنوا من تمييزها في الوقت المتاح !!…. اما عن قصة اعدامي فسأحاول اختصار تفاصيلها والتركيز على المحطات المهمة في حيثياتها … في مطلع الاسبوع الماضي داهمني الم حاد جدا ومفاجيء في منطقة البطن شعرت ازاءه بانني سأغادر هذه الحياة المليئة بالفوضى غير الخلاقة !! .. نُقلتُ على اثر تلك العاصفة الالمية الى احد مستشفيات العاصمة بغداد لاكون ضيفاً في صالة الطوارئ التي كانت تغص بحالات اخرى ، .. لم اكن اشعر باي شيء يحيط بي فقد كانت صرخاتي من شدة الالم تختلط بصرخات اخرين ، ثم مالبثت تلك الصرخات المختنقة والمتداخلة ان تعالت كثيراً ، بعد وفاة احد الداخلين الى الردهة بعد لحظات من وصوله !! .. كانت في تلك الردهة الكبيرة طبيبتان شابتان يرافقهما اثنان من الممرضين .. جاءت احداهما اليَّ تمشي على مهل .. سألتني عددا من الاسئلة ، لم اكن قادرا على اجابتها بسبب سياط الالم اللاهبة .. فهمست في اذن الممرض الذي بادر الى زرقي بحقنتين عنيفتين ولكن الالام مافتئت تشتد حتى فقدت القدرة على الصراخ واكتفيت بأنين مكتوم .. المهم بعد مرور زهاء خمس ساعات وبعد اعطائي الكثير من العلاجات عبر جهاز (المغذيّ)تراجعت حدة الالم ، وبدأت اشعر بالمكان والمحيطين بي .. عند ذاك جاء طبيب شاب وفحصني سريريا ، واصدر امرا بامكانية مغادرتي المستشفى ، وقال «ناصحاً» عليك بمراجعة طبيب اختصاص لتشخيص حالتك المرضية بدقة .. غادرت المكان بجسم مرتعش لايقوى على الوقوف ، وتوجهنا الى طبيب معروف ، وحين وصلنا الى العيادة ; كانت تكتض بالمراجعين .. وحين علم الطبيب بحالتي سمح بدخولي ، وبعد الفحص السريري ، طلب اجراء فحص بالسونار .. ومن هنا بدأت مصيبة اخرى .. فقد «اكتشف» صاحب السونار ، انني مصاب بورم خبيث. في منطقة الكبد !! وهذا الورم بحجم برتقالة وقد وصل الى مراحل متقدمة !!!… يالله ، انا مصاب بالسرطان ولا اعلم ؟!!.. نزل الخبر بين افراد اسرتي والمحيطين ، نزول الصاعقة .. قلنا للطبيب ، وما العمل اذن ؟!.. قال ، الامر خطير ولا يحتمل الانتظار .. علينا القيام بمجموعة من التحاليل المهمة لنبدأ بعدها الخطوات العملية ، وجميع الاحتمالات واردة !!..
خرجنا من العيادة ونحن نخط باقدامنا في الارض .. امام نظرة الاشفاق التي شيعنا بها المراجعون الذين سمعوا حديث الطبيب .. انتشر الخبر بين الاهل والاقرباء واصبح الموضوع حديث من لاحديث !!.. وكنت اشاهد تلك الشفقة التي يغمرني بها المحيطون بي من خلال نظراتهم وهمساتهم .. حتى ان البعض اشار. بلا جدوى المراجعات ، فالامر محسوم ، ولكل اجل كتاب !!!!.. في اليوم الثاني توجهنا الى طبيب صيته ذائع في العاصمة وهو بروفيسور جراح ومتخصص في هذه القضايا ويتقاضى ٥٠ الف دينار اجرة «الكشفية» !! .. وبعد ان اطلّع على نتيجة «السونار» زمّ شفتيه وانحنى الى طاولته مستبدلا نظارة باخرى وهو يحدّق في وجهي بدقة ! طالبا مني الصعود الى سرير الفحص «السدية» .. فحصني بعناية فائقة من دون ان يتوصل الى نتيجة … ثم تركني وعاد الى مكتبه وسحب ورقة وراح يدون فيها عددا من الملاحظات باللغة الانجليزية ، ثم سحب اخرى وكتب فيها اشياء كثيرة ، ودفعها نحوي وقال آمراً ، عليك اجراء هذه التحاليل بسرعة .. لم اتأخر امامه ، فبمجرد ان دفعت له ال»٥٠» الفا توجهت الى المختبر الذي اشار اليه ، وهناك سحبوا مني كمية من الدم ومعها ١٥٠ الف دينار .. وبعد ساعتين كانت النتائج امام الطبيب ، نظر فيها. بامعان ، وقال ، النتائج ايجابية ، ولكنها غير كافية للتطمين !!.. وما العمل دكتور ؟ سألته زوجتي وهي باكية .. قال اريد فحص « مفراس» !!! ، ومعنى هذا ان علينا ان ننتظر يوما آخر .. وفي ذلك اليوم الاخر ذهبنا الى عيادة المفراس ، وعلى الفور قاموا بزرع «الكالولة» في كفي بعد ان دفعنا ٣٥٠ الف دينار ثم دخلت الى الجهاز في غرفة تقترب حرارتها من الصفر !! وبعد نحو ساعة تجرعت فيها جرعتين من الصبغة الخاصة بالجهاز وما لهذه الصبغة من اثار خطيرة على الكلى، انتظرت دقائق لاتسلم النتيجة واتوجه الى الطبيب الذي نظر بعناية الى الصور المفراسية وقرأ التقرير المرافق ، ثم تبسم ضاحكا وقال، هذا غير كاف !!!! نحتاج الى فحص اكثر دقة بالرنين المغناطيسي وبابصبغة ملونة !!! .. وفي يوم اخر جديد .. كنت تحت رحمة جهاز الرنين .. اولا ، عليك ان تدفع ٣٥٠ الف دينار ، امرتني السكرتيرة ذات الشعر الذهبي .. دفعت وانا من الصاغرين !!.. ثم دخلت الى غرفة اخرى شديدة البرودة ، وفيها خلعت ملابسي وارتديت ملابسا زرقا ، وللحظة تخيلت ان لونها برتقالي وسأدخل بعد قليل الى المقصلة لتنفيذ حكم الاعدام !! .. دخلت في ذلك الجهاز الاسطواني الذي يشبه التابوت !! وبدأت اسمع اصواتا» مختلفة كأنها تأتي من عوالم او كواكب اخرى .. ثم احسست بيد تسحب يدي اليمني لتزرقني بحقنة مؤلمة في الوريد .. شعرت بعدها بدم يسيل من ذلك المكان .. استغرقت عملية الفحص بجهاز الرنين ٤٥ دقيقة.. خرجت بعدها متجمدا من البرد .. واذ تسلمت النتيجة ، توجهت فورا الى الطبيب، الذي اخذ مني التقرير وراح يقرأ ويقرأ ويقرأ !! .. ثم ما لبث ان ضحك بصوت عاليا حتى استلقى على قفاه !!!
مالخبر دكتور ؟ سألته ممتعضا» .. لم يجبني بل واصل ضحكه وهو يلّوح بذلك التقرير الرنيني !! .. بعدها عاد الى وضعه الجاد الصارم .. ليطلق جملة لاعلاقة لها بعالم الطب !! قال .. مبروك فقد ثبتت براءتك ايها الرجل .. وفي هذا التقرير قول صريح بان حكم الاعدام الذي صدر بحقك ، لم يكن عادلا بل حالة اشتباه ، وفي الحقيقة لا يوجد اي شيء لديك لا ورم ولا برتقالة ولا هم يحزنون .. عليك ان تذهب الان وتحتفل بهذه البراءة ، ولكن قبل ذلك – قال الطبيب مستركاً – عليك ان تذهب الى ذلك الرجل السوناري وتستوفي منه كل الخسائر التي تعرضت لها بسبب خطأه الفادح هذا !!!
ترى كم من الابرياء الاصحاء الذين يذهبون ضحية لمثل هذه الاخطاء الفادحة ،.. تخيلوا لو ان الامر حدث مع احدكم ؟! فماذا كنتم ستفعلون ؟ ..هل تنصحوني بممارسة حقي العشائري بحق من اساء بحقي .. ولكن من من هؤلاء ساقوم بـ(دكه) عشائريا ؟؟ !! انتظر الإجابة.
بريء .. محكوم بالإعدام !
التعليقات مغلقة